الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ هَكَذَا «الَّذِي يَعْمَلُ الْعَمَلَ بِاللَّيْلِ فَيَسْتُرُهُ رَبُّهُ ثُمَّ يُصْبِحُ فَيَقُولُ يَا فُلَانُ إنِّي عَمِلْت الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، فَيَكْشِفُ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الدُّنْيَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ إظْهَارُ الْجَمِيلِ وَسَتْرُ الْقَبِيحِ فَالْإِظْهَارُ كُفْرَانٌ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَتَهَاوُنٌ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ فَيُكْرَهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِمَعْصِيَةٍ أَنْ يُخْبِرَ غَيْرَهُ بِهَا إلَّا مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ مَخْرَجًا عَنْهَا بِخَبَرِهِ كَشَيْخِهِ أَوْ سَلَامَتَهُ مِنْ مِثْلِهَا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْكَشْفُ الْمَذْمُومُ مَا لَا يَكُونُ لِمَصْلَحَةٍ كَالِاسْتِفْتَاءِ وَالِاسْتِنْصَاحِ (أَوْ لِئَلَّا يَهْتِكَ سِتْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَخَافُ أَنْ يَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِيهِ أَيْضًا عَلَى تَخْرِيجِ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ هَذَا الرَّاوِي بَدَلَ هَذَا «وَإِنَّ مِنْ الْجِهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا سَيِّئًا ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَقُولُ عَمِلْت الْبَارِحَةَ أَيْ اللَّيْلَ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْعِصْيَانِ وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَأَصْبَحَ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ» بِاشْتِهَارِ ذَنْبِهِ فِي الْمَلَأِ وَذَلِكَ جِنَايَةٌ مِنْهُ عَلَى سِتْرِ اللَّهِ وَتَحْرِيكٌ لِرَغْبَةِ الشَّرِّ فِيمَنْ أَسْمَعَهُ أَوْ أَشْهَدَهُ فَهُمَا جِنَايَتَانِ انْضَمَّتَا إلَى جِنَايَتِهِ فَتَغَلَّظَتْ بِهِ فَإِنْ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ التَّرْغِيبُ لِلْغَيْرِ فِيهِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ صَارَتْ جِنَايَةً رَابِعَةً وَتَفَاحَشَ الْأَمْرُ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إمَّا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى أَوْ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَوْ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا فِي الشَّيْخَيْنِ فَافْهَمْ (م) مُسْلِمٌ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) مَرْفُوعًا «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا» أَيْ ذَنْبًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «إلَّا سَتَرَ» هـ اللَّهُ «عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» فَضْلًا وَإِحْسَانًا فَكَمَا سَتَرَ فِي هَذِهِ الدَّارِ يَسْتُرُ فِي دَارِ الْقَرَارِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَيُعَيِّرُهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مُتَوَقٍّ مُتَحَفِّظٌ وَقَعَ فِي الذَّنْبِ وَخَافَ مِنْ رَبِّهِ وَرَأَى فَضِيحَتَهُ حَيْثُ نَظَرَهُ مَوْلَاهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَخَوَاصُّ الْمُؤْمِنِينَ وَنَدِمَ فَطَلَبَ الْمَغْفِرَةَ وَهِيَ السِّتْرُ فَسَتَرَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ عَطْفًا مِنْهُ عَلَيْهِ فَإِذَا عُرِضَتْ أَعْمَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُقِّقَ لَهُ مَا أَمَّلَهُ مِنْ سِتْرِهِ وَلَا يُعَيِّرُهُ أَيْ هُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ سَتَّارٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السَّاتِرِينَ (وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ التَّرْكُ (لِيُرِيَ) مِنْ الْإِرَاءَةِ (النَّاسَ) لِيَعْلَمُوا أَوْ يَظُنُّوا (أَنَّهُ وَرِعٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مِنْ الْوَرَعِ هُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ (خَائِفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (كَذَلِكَ فَهَذَا رِيَاءٌ مَحْظُورٌ وَمَا قَبْلَهُ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِرِيَاءٍ) لِأَنَّهُ لَا لِنَظَرِ شَيْءٍ مِنْ الْخَلْقِ بَلْ مُعَامَلَتُهُ مَعَ رَبِّهِ تَعَالَى (وَحُكْمُ الْمُمْتَزِجِ) مِنْ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ (مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ) فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ فَالْمَغْلُوبُ يُنْقِصُ أَجْرَ الطَّاعَةِ وَلَا يُبْطِلُهَا وَالْمُسَاوِي وَالْغَالِبُ وَالْمَحْضُ يُبْطِلُهَا (وَسَتْرُ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهَا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ) فَقَدْ يَكُونُ لِإِرَاءَةِ النَّاسِ أَنَّهُ وَرِعٌ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ رِيَاءً وَقَدْ يَكُونُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ رِيَاءً.
(وَمِنْ) الْأُمُورِ (الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْحَيَاءِ أَنْ يَمْشِيَ رَجُلٌ عَلَى الْعَجَلَةِ فَيُرَى) مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيُحْتَمَلُ مِنْ الرِّيَاءِ (وَاحِدًا مِنْ الْكُبَرَاءِ) ذَوِي الْوَجَاهَةِ وَالْجَاهِ وَالشَّرَفِ فَإِنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِغَيْرِهِمْ فَلَا يُغَيِّرُ صَنِيعَهُ (فَيَعُودُ إلَى الْهُدُوءِ) أَيْ السُّكُونِ وَالطُّمَأْنِينَةِ (أَوْ يَضْحَكُ) فِي خَلْوَتِهِ أَوْ عِنْدَ النَّاسِ الَّذِينَ لَهُمْ مَعَهُ أُلْفَةٌ وَمُؤَانَسَةٌ فَعِنْدَ رُؤْيَةِ كَبِيرٍ أَوْ غَرِيبٍ (فَيَرْجِعُ إلَى الِانْقِبَاضِ) بِتَرْكِ الضَّحِكِ (وَالْأَغْلَبُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ (الرِّيَاءُ لِأَنَّ الْحَيَاءَ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالذُّنُوبِ) وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا عَلَى قِلَّةٍ فَإِنْ قِيلَ الْحَيَاءُ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى فِعْلِ الْجَمِيلِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا وَلَوْ قِلَّةً قُلْنَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقَبَائِحُ شَامِلَةً لِمَا هِيَ عِبَادِيَّةٌ ثُمَّ نَقُولُ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا أَيْ الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ لَيْسَ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالذُّنُوبِ فَيَنْتِجُ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي لَيْسَ فِيهِمَا حَيَاءٌ فِي الْأَكْثَرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute