(كَرَاهِيَةً) مِنْ حَمْدِهِمْ (فِي مُقَابَلَةِ الرَّغْبَةِ) إلَيْهِ (تَدْعُو) تِلْكَ الْكَرَاهِيَةَ (إلَى الْإِبَاءِ) الِامْتِنَاعِ عَنْهُ (فِي مُقَابَلَةِ الْقَبُولِ) وَقَدْ قُرِّرَ تَرْجِيحُ الضُّرِّ عَلَى النَّفْعِ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا فَضْلًا عَنْ قُوَّةٍ الضُّرِّ كَمَا هُنَا وَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالنَّفْسُ) أَيْ الْعَقْلُ إذَا خَلَا عَنْ شُؤُونِ الْإِمَارَةِ بِالسُّوءِ (لَا مَحَالَةَ تُطَاوِعُ أَقْوَى الْمُتَقَابِلَيْنِ) وَأَغْلَبُهُمَا الْكَرَاهَةُ وَالرَّغْبَةُ وَلَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ ضَرَرِ الْكَرَاهِيَةِ كَمَا عَرَفْت فِي غَوَائِلِ الرِّيَاءِ عَلَى نَفْعِ الرَّغْبَةِ (فَلَا بُدَّ فِي رَدِّ خَوَاطِرِ الرِّيَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْمَعْرِفَةُ) مَعْرِفَةُ مَا خَطَرَ مِنْ خَوَاطِرِ الرِّيَاءِ (وَالْكَرَاهِيَةُ لَهُ) لِدَاعِي الْمَقْتِ (وَالْإِبَاءُ) الِامْتِنَاعُ عَنْ الرِّيَاءِ، ثُمَّ فَصَّلَ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يَشْرَعُ الْعَبْدُ فِي الْعِبَادَةِ عَلَى عَزْمِ الْإِخْلَاصِ) بِأَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا سِوَى رِضَاهُ تَعَالَى (ثُمَّ يَرِدُ) مِنْ الْوُرُودِ عَلَى قَلْبِهِ (خَاطِرُ الرِّيَاءِ) إيجَابًا (فَيَقْبَلُهُ) اخْتِيَارًا (بَغْتَةً) فَجْأَةً عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ (وَلَا يَحْضُرُهُ) أَيْ الْعَبْدَ (وَاحِدٌ مِنْ وُجُوهِ الرَّدِّ) الْمَعْرِفَةُ وَالْكَرَاهِيَةُ وَالْإِبَاءُ (بِسَبَبِ امْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِحُبِّ الْحَمْدِ) أَيْ الْمَدْحِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(وَخَوْفِ الذَّمِّ وَاسْتِيلَاءِ) غَلَبَةِ (الْحِرْصِ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فَيَعْزُبُ) بِضَمِّ الزَّايِ بِمَعْنَى يَغِيبُ وَيَخْرُجُ (عَنْ الْقَلْبِ آفَاتُ الرِّيَاءِ) لِغَلَبَةِ أَسْبَابِهِ عَلَيْهِ وَالذِّهْنُ بَسِيطٌ لَا يَتَوَجَّهُ إلَى شَيْئَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ (فَيَنْسَاهَا) أَيْ الْآفَاتِ (فَلَمْ تَظْهَرْ الْكَرَاهِيَةُ) حَتَّى أَمْكَنَ الرَّدُّ لِغَيْبُوبَةِ سَبَبِهَا عَنْهُ بِغَلَبَةِ سَبَبِ مُقَابِلِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْكَرَاهِيَةُ عِنْدَ الْحُضُورِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكَرَاهِيَةَ (ثَمَرَةُ الْمَعْرِفَةِ) قِيلَ أَيْ بِغَوَائِلِ الرِّيَاءِ مِنْ نَحْوِ الْغَضَبِ وَالْمَقْتِ وَفِيهِ خَفَاءٌ فَافْهَمْ (وَقَدْ يَتَذَكَّرُ) مَا خَطَرَ بِبَالِهِ مِنْ خَاطِرِ الرِّيَاءِ (فَيَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي خَطَرَ لَهُ) أَيْ وَرَدَ عَلَى قَلْبِهِ (خَاطِرُ الرِّيَاءِ وَ) يَتَذَكَّرُ (أَنَّهُ) أَيْ خَاطِرَ الرِّيَاءِ (يُعَرِّضُهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ يُصَيِّرُهُ مُعَرَّضًا (لِسُخْطِ اللَّهِ) تَعَالَى وَغَضَبِهِ.
(وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ) مَعَ ذَلِكَ (لَهُ الْكَرَاهِيَةُ) فَلَا يَحْصُلُ الِانْزِجَارُ فَيَكُونُ الْوِزْرُ عَلَيْهِ آكَدُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ إذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ ثَمَرَةُ الْمَعْرِفَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ حِينَئِذٍ حَاصِلَةٌ قُلْنَا إنْ أُرِيدَ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَإِنْ الْمُطْلَقُ فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ تَخَلُّفِهِ عَلَى أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَلِ مَشْرُوطٌ بِارْتِفَاعِ مَوَانِعِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِشِدَّةِ شَهْوَتِهِ) أَيْ مَحَبَّتِهِ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا عَمِيَ عَنْ مَعَايِبِهِ بَلْ يَرَى قَبَائِحَهُ مَحَاسِنَ كَمَا قِيلَ حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْمَعْرِفَةُ تُوجِبُ الْكَرَاهِيَةَ وَالْمَحَبَّةُ عَدَمَهَا فَيَقْتَضِي تَسَاقُطَهُمَا فَمِنْ أَيْنَ الْحُكْمُ بِعَدَمِ الْكَرَاهِيَةِ قُلْنَا لَعَلَّ تَوْصِيفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَجْلِ تَرْجِيحِ هَذَا الْجَانِبِ لَكِنْ عِنْدَ التَّسَاوِي يَلْزَمُ الْحَظْرُ أَيْضًا غَايَتُهُ دُونَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَرَامَ غَالِبٌ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْحِلِّ كَمَا فِي الْأُصُولِ وَأَنَّ الْحَظْرَ رَاجِحٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَقَدْ عَرَفْت مِرَارًا أَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ (فَيَغْلِبُ هَوَاهُ) النَّاشِئُ مِنْ شِدَّةِ الشَّهْوَةِ (عَقْلَهُ) النَّاشِئَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ (وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ لَذَّةِ الْحَالِ) الْمُنْبَعِثَةِ مِنْ تِلْكَ الشَّهْوَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute