للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورَهُ فَلَا تَكْلِيفَ بِنَفْيِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِثُبُوتِهِ قُلْنَا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمَنْفِيَّةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ بَلْ بِنَحْوِ أَنْ يُقَالَ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ التَّرْكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (فَيَسْتَلِذُّ) بِسُوءِ اخْتِيَارِهِ (بِالشَّهْوَةِ) الْعَاجِلَةِ (وَيَتَسَوَّفُ بِالتَّوْبَةِ) وَقَدْ هَلَكَ الْمُتَسَوِّفُونَ (أَوْ يَتَشَاغَلُ) وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ التَّوْبَةُ (عَنْ الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ) وَلَمْ يَعُدَّهُ شَيْئًا حَظْرًا (لِشِدَّةِ الشَّهْوَةِ) لَعَلَّ هَذِهِ الشِّدَّةَ فَوْقَ مَا سَبَقَ، وَالشِّدَّةُ إمَّا مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيُوجَدُ جَمِيعُ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضُهَا عَلَى وَجْهِ الْقُوَّةِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْكَمُّ فَيُوجَدُ كُلُّ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَعْنِي حُبَّ الْمَدْحِ وَخَوْفَ الذَّمِّ وَاسْتِيلَاءَ الْحِرْصِ (فَكَمْ مِنْ عَالِمٍ يَحْضُرُهُ كَلَامٌ) أَيْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ (لَا يَدْعُو إلَى قَوْلِهِ) ذَلِكَ (إلَّا الرِّيَاءُ) هَذَا التَّفْرِيعُ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ (وَهُوَ) أَيْ الْعَالِمُ الْمَذْكُورُ (يَعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ بِالرِّيَاءِ هَذَا وَإِنْ كَانَ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْعِلْمِ أَوْ لِكَوْنِهِ مَدَارَ الْحُكْمِ بِالْآكَدِيَّةِ كَانَ أَهَمَّ فَإِذَنْ تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ (وَلَكِنَّهُ) مَعَ عِلْمِهِ لَا يَنْزَجِرُ بَلْ (يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ) فَلَا يَحْصُلُ الْإِبَاءُ (وَلَا يَكْرَهُهُ) فَلَا تَحْصُلُ الْكَرَاهِيَةُ فَبِالْجُمْلَةِ تُوجَدُ الْمَعْرِفَةُ وَلَا يُوجَدُ الْإِبَاءُ وَالْكَرَاهِيَةُ.

(فَتَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْعَالِمِ فِي التَّعْذِيبِ (آكَدُ) أَقْوَى (إذْ قَبِلَ) مِنْ الْقَبُولِ (دَاعِيَ الرِّيَاءِ) مِنْ الِاسْتِمْرَارِ وَعَدَمِ الْكَرَاهِيَةِ (مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَبِغَائِلَتِهِ) وَمُوجِبُ الْعِلْمِ الِانْكِفَافُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ بِعِلْمِهِ بِهِمَا (وَقَدْ يَحْضُرُ) الْمُخْلِصَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ وَقَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ (الْمَعْرِفَةُ وَالْكَرَاهِيَةُ مَعًا وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِبَاءُ) عَنْ دَاعِي الرِّيَاءِ (بَلْ يَقْبَلُ دَاعِيَ الرِّيَاءِ وَيَعْمَلُ بِهِ لِكَوْنِ الْكَرَاهِيَةِ لَهُ ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى قُوَّةِ الشَّهْوَةِ وَالرَّغْبَةِ) وَالْحُكْمُ لِأَقْوَى الْمُتَقَابِلَيْنِ فَكَأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لَمْ تُوجَدْ (وَهَذَا) أَيْ ذُو الْكَرَاهِيَةِ الَّتِي لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا أَثَرُهَا مِنْ الْإِبَاءِ (أَيْضًا لَا يَنْتَفِعُ بِكَرَاهِيَتِهِ) كَمَا لَا يَنْتَفِعُ بِمَعْرِفَتِهِ (إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا) مِنْ الْكَرَاهِيَةِ (صَرْفُهُ عَنْ الْفِعْلِ) أَيْ الرِّيَاءِ وَلَمْ يَحْصُلْ (فَإِذًا) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ نَفْعِ الْكَرَاهِيَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِدُونِ الْإِبَاءِ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ.

(لَا فَائِدَةَ إلَّا فِي اجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالْإِبَاءِ فَالْإِبَاءُ ثَمَرَةُ الْكَرَاهِيَةِ وَالْكَرَاهِيَةُ ثَمَرَةُ الْمَعْرِفَةِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِهَا بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَنِسْيَانِ الْآخِرَةِ وَقِلَّةِ التَّفَكُّرِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقِلَّةِ التَّدَبُّرِ فِي آفَاتِ حُبِّ الدُّنْيَا وَعِظَمِ نِعَمِ الْآخِرَةِ، وَبَعْضُ ذَلِكَ يُنْتِجُ بَعْضًا وَيُثْمِرُ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ حُبُّ الدُّنْيَا وَهُوَ رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَمَنْبَعُ كُلِّ ذَنْبٍ.

(فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الرِّيَاءِ) وَقَدْ يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِبَاءُ بِدُونِ الْمَعْرِفَةِ وَالْكَرَاهِيَةِ حَصَلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الرِّيَاءِ أَيْضًا (وَمُجَرَّدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَا يَضُرُّ (خُطُورِ الرِّيَاءِ) بِنَفْسِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ (وَمَيْلِ الطَّبْعِ إلَيْهِ) النَّفْسَانِيِّ كَمَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى (وَحُبِّهِ لَهُ) أَيْ وَمُجَرَّدُ حُبِّهِ لَهُ كَمَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا أَيْ الْعَارِي عَنْ الِاسْتِدَامَةِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ دُونَ الِاضْطِرَارِ (وَمُنَازَعَتِهِ إيَّاهُ) فِي طَرْدِهِ وَإِخْرَاجِهِ بِأَنْ يَرِدَ خَاطِرُ الرِّيَاءِ عَقْلَ الْعَابِدِ وَيَقْبَلَهُ هَوَاهُ وَنَفْسُهُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَ ذَلِكَ أَوْ يُجْعَلَ قَيْدًا لِلْأَوَّلِ.

(لَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَبُولٌ وَرُكُونٌ بِالِاخْتِيَارِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>