للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمُلَاحَظَةِ فَائِدَةِ قَوْلِهِ وَمُجَرَّدُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَفْسِيرًا وَبَيَانًا لَهُ (إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْعَبْدِ مَنْعُ الشَّيْطَانِ مِنْ نَزَغَاتِهِ) وَوَسَاوِسَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي وُسْعِهِ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِوَسَاوِسِهِ وَعَدَمُ الْمُطَاوَعَةِ فِيهَا فَالرُّكُونُ وَالْقَبُولُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَالَاةِ وَالْمُطَاوَعَةِ، وَخُطُورُ الرِّيَاءِ مِنْ قَبِيلِ النَّزَغَاتِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ خُطُورَ الرِّيَاءِ مُضِرٌّ وَالرُّكُونَ وَالْقَبُولَ لَيْسَ بِمُضِرٍّ وَحَاصِلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّزْغُ فِي وُسْعِ الْعَبْدِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ ضَرَرِ الْقَبُولِ وَالرُّكُونِ فَتَأَمَّلْ.

(وَلَا قَمْعُ الطَّبْعِ) قَطْعُهُ (حَتَّى لَا يَمِيلَ إلَى الشَّهَوَاتِ) لِأَنَّ الْمَرْءَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْمَنَاهِي وَالشَّهَوَاتِ (وَلَا يَنْزِعُ) لَا يَنْجَذِبُ وَلَا يَمِيلُ (إلَيْهَا) إذْ الطَّبْعُ ضَرُورِيٌّ فِيهَا وَلَا تَكْلِيفَ فِي الِاضْطِرَارِيِّ كَالِامْتِنَاعِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا (وَإِنَّمَا غَايَتُهُ) غَايَةُ وُسْعِهِ (أَنْ يُقَابِلَ شَهْوَتَهُ بِكَرَاهِيَةٍ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُقَابِلُ بِكَرَاهِيَةٍ وَقَدْ كَانَ حُبُّهُ ضَرُورِيًّا إذْ مَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُ مُقَابَلَتُهُ إيَّاهُ قُلْنَا قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْحُبَّ الضَّرُورِيَّ هُوَ الْخَاطِرُ الْأَوَّلُ وَالْمُقَابَلَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ.

(وَإِبَاءٍ وَعَدَمِ إجَابَةٍ) لِدَاعِي الطَّبْعِ أَوْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ (اسْتَفَادَهَا) أَوْ اسْتَفَادَ الْعَبْدُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ (مِنْ عِلْمِ الدِّينِ) كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْهُمَا كَالتَّصَوُّفِ وَالْأَخْلَاقِ وَالزُّهْدِ (فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ) الْمُقَابَلَةَ (فَهُوَ الْغَايَةُ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ) فَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِ تَكْلِيفٌ فَلَا ضَرَرَ فِي إتْيَانِهِ قِيلَ هُنَا وَالْمُخْلِصُونَ عَنْ الرِّيَاءِ فِي دَفْعِ خَوَاطِرِهِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ الْأُولَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الشَّيْطَانِ فَيُكَذِّبَهُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ يَشْتَغِلُ بِمُجَادَلَتِهِ وَيُطِيلُ الْجِدَالَ مَعَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ أَسْلَمُ لِقَلْبِهِ وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ نُقْصَانٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْخَيْرِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِهِ وَانْصَرَفَ إلَى قِتَالِ قُطَّاعٍ وَهُوَ نُقْصَانٌ فِي السُّلُوكِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْقِتَالَ وَالْجِدَالَ نُقْصَانٌ فِي السُّلُوكِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَدَفْعِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِمُجَادَلَتِهِ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِتَكْذِيبِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْفَةٌ فِي السُّلُوكِ وَإِنْ قُلْت بَلْ قَرَّرَ فِي ضَمِيرِهِ كَرَاهِيَةَ الرِّيَاءِ وَكَذِبَ الشَّيْطَانِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُسْتَصْحِبًا لِلْكَرَاهِيَةِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُخَاصَمَةِ الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَحْسُدُهُ عِنْدَ جَرَيَانِ أَسْبَابِ الرِّيَاءِ فَيَكُونُ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا نَزَغَ الشَّيْطَانُ زَادَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَالِاشْتِغَالِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِخْفَاءِ الْعِبَادَةِ غَيْظًا لِلشَّيْطَانِ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَغِيظُ الشَّيْطَانَ وَيَقْمَعُهُ وَيُوجِبُ يَأْسَهُ وَقُنُوطَهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ وَمَهْمَا عَرَفَ الشَّيْطَانُ مِنْ الْعَبْدِ هَذِهِ الْعَادَةَ كَفَّ عَنْهُ خِيفَةً مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي حَسَنَاتِهِ (ثُمَّ إذَا فَرَغَ) مِنْ نِزَاعِهِ وَجِدَالِهِ لِطَبْعِهِ وَشَيْطَانِهِ وَقَدْ أَتَمَّ عِبَادَتَهُ بِالْإِخْلَاصِ (فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَحَدَّثَ بِهِ) أَيْ لَا يُخْبِرَ بِعِبَادَتِهِ أَحَدًا (وَلَا يُظْهِرَهُ) لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ الرِّيَاءِ وَقَدْ أَتَمَّهُ بِأَتْعَابٍ كَثِيرَةٍ (إلَّا إذَا أَمِنَ الرِّيَاءَ وَقَصَدَ) بِإِظْهَارِهِ (اقْتِدَاءَ الْغَيْرِ بِهِ) وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ (فِي مَظِنَّتِهِ) لَا بِمُجَرَّدِهِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاقْتِدَاءِ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ مَظِنَّةَ مَنْ يَقْتَدِي فَلَا يُظْهِرُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَعَلَّ مِنْ قَبِيلِ هَذَا الْمُسْتَثْنَى قَصْدُ تَحْدِيثِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَصْدُ تَمْكِينِ صِيتِهِ الْحَسَنِ عَسَى أَنْ يَشْهَدُوا بِحُسْنِ حَالِهِ فَيَغْفِرُهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ (وَ) أَنْ (يَكُونَ وَجِلًا) مُضْطَرِبًا (مِنْ عَمَلِهِ خَائِفًا أَنْ يَدْخُلَهُ مِنْ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ) وَقَدْ مَرَّ (مَا لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ) أَيْ الرِّيَاءِ الَّذِي لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ لِخَفَاءِ سَبَبِهِ (فَيَكُونُ مَرْدُودًا مَمْقُوتًا) مَبْغُوضًا (لِلَّهِ تَعَالَى) مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي (وَيَكُونُ هَذَا الْخَوْفُ فِي دَوَامِ عَمَلِهِ) فِي أَثْنَائِهِ.

(وَبَعْدَهُ لَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ) عِنْدَ شُرُوعِهِ، لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ التتارخانية لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ يَنْبَغِي

<<  <  ج: ص:  >  >>