للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» ثُمَّ فَصَّلَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامًا لَا يَتَحَمَّلُهُ الْمَقَامُ وَأَيْضًا الْأَصْلُ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْيَقِينُ فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ بَاقٍ فِي الِانْتِهَاءِ إلَّا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْيَقِينِ وَأَيْضًا مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ أَوْ لَا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الرِّيَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا، لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهَا كُلِّيَّةً حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا كَصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ الْأَمْنُ فِي دُخُولِهِ تَحْتَهُ عَلَى تَفْصِيلِ مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِهَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كَمَنْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ هَلْ أَتَى بِهَا أَوْ لَا أَوْ أَحْدَثَ أَوْ لَا أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ لَا وَكَانَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَقْبَلَ

وَمَنْ وَجَدَ فَأْرَةً مَيْتَةً وَلَمْ يَدْرِ مَتَى وَقَعَتْ وَقَدْ تَوَضَّأَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَمَنْ وَجَدَ بَلَلًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَمَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّ مَوْضِعٍ أَصَابَتْهُ غَسَلَ الْكُلَّ، وَإِنْ فِيهِ خِلَافًا وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ قَطْعِيَّاتٌ وَارِدَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَأَنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ إنَّمَا يُنَافِي الْقَطْعَ لَا الظَّنَّ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلَبُ ظَنِّيًّا.

وَقَالَ الْمَوْلَى حَسَنٌ جَلَبِيٌّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ عَنْ إبْكَارِ الْأَفْكَارِ إنَّ الْكُبْرَى الْأَكْثَرِيَّةَ الَّتِي لَا تَكُونُ كُلِّيَّةً مُنْتِجَةً فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ كَوْنِ الْمَطْلَبِ ظَنِّيًّا وَأَنَّ الْمُخْرَجَ وَإِنْ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي فَالْفَرْدُ يَلْحَقُ بِالْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ وَالشَّرْعِ ثُمَّ يَشْكُلُ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ الْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَتَأَمَّلْ

بَقِيَ أَنَّ الشَّكَّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ وَالظَّنَّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَالْوَهْمَ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَإِ وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَغَالِبُ الظَّنِّ الرَّاجِحُ الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْقَلْبُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَمُطْلَقُ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ هُوَ الشَّكُّ بِمَعْنَى التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا، فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عَلَى ظَنِّي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لِلشَّكِّ وَغَالِبُ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا (فَبِذَلِكَ) بِغَلَبَةِ رَجَاءِ الْقَبُولِ عَلَى الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِهِ لَعَلَّ الْأُولَى وَبِغَلَبَةِ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْفَاءِ (تَعَظُّمٌ لِذَاتِهِ فِي الْمُنَاجَاةِ) لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّكِّ (وَالطَّاعَاتِ) إذْ عَدَمُ قَبُولِ الْعَمَلِ يُوجِبُ الْفُتُورَ وَالْكَسْلَانَ، وَاعْتِقَادُ قَبُولِهِ يُوجِبُ النَّشَاطَ وَالِانْبِسَاطَ وَأَنَّ إطْلَاقَاتِ الْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ تُرَجِّحُ ذَلِكَ الْجَانِبَ، وَأَنَّهُ حَسَنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» ، وَظَنُّ رَجَاءِ الْقَبُولِ مُوجِبٌ لِلْقَبُولِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» (وَخَوْفُهُ) مِنْ زَوَالِ الْإِخْلَاصِ (لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّكِّ جَدِيرٌ بِأَنْ يُكَفِّرَ) يَمْحُوَ (خَاطِرَ الرِّيَاءِ إنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ عَنْهُ) بِأَنْ عَرَضَ لَهُ (وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهُ) لِكَوْنِهِ مِنْ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ لَعَلَّ مُنَاسَبَةَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ لِجَانِبِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ أَظْهَرُ مِنْ مُنَاسَبَتِهَا هُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا بَيَانُ وَجْهِ جَانِبِ الْمَغْلُوبِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَجْهُ جَانِبِ الْغَالِبِيَّةِ إذْ الْمَطْلُوبُ مُرَكَّبٌ لَا بَسِيطٌ (وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ غَلَبَةُ الْخَوْفِ) عَلَى الرَّجَاءِ

قِيلَ هُنَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَخَفْ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ وَخَاتِمَتَهُ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ يَخَافُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>