أَيْ الْكِبْرِ وَضِدِّهِ، مُنَاسِبُ الْكِبْرِ اثْنَانِ التَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ وَمُنَاسِبُ ضِدِّهِ وَهُوَ الضِّعَةُ ثَلَاثَةٌ التَّوَاضُعُ وَالتَّمَلُّقُ وَالتَّذَلُّلُ (وَ) بَيَانُ (حُكْمِهَا) أَيْ حُكْمِ الثَّلَاثَةِ فِي الشَّرْعِ (الْكِبْرُ هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ) طَلَبُ الرَّاحَةِ (وَالرُّكُونُ) الْمَيْلُ (إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ) فِي صِفَاتِهَا الْكَمَالِيَّةِ فَيَحْصُلُ مِنْ رُؤْيَتِهَا فَوْقَهُ فِي قَلْبِهِ اعْتِدَادٌ وَفَرَحٌ وَهُوَ الْكِبْرُ (فَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ الْكِبْرِ (مِنْهُ) مِنْ مُتَكَبَّرٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ (بِخِلَافِ الْعُجْبِ) فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي الْمُعْجَبَ عَلَيْهِ بَلْ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ الْإِنْسَانُ إلَّا وَحْدَهُ يُمْكِنُ عُجْبُهُ دُونَ كِبْرِهِ.
وَقَدْ يَسْبِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ الْعُجْبَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ وِجْدَانِ الْمَرْءِ الْعِبَادَةَ فِي نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنْ أَكْثَرِيًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكِبْرِ بِمُجَامَعَتِهِمَا عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ وَوُجُودِ الْعُجْبِ فَقَطْ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْعُجْبَ فَرَحُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَعَمَلِهِ سَوَاءٌ وَجَدَ الْغَيْرَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامُ النَّفْسِ بِمَا تَعُدُّهُ نِعْمَةً وَشَرَفًا هَذَا تَفْسِيرُ الْكِبْرِ وَحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْكِبْرُ حَرَامٌ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلَى مَا اتَّصَفَ بِهِ أَوْ لَا (وَرَذِيلَةٌ) خَصْلَةٌ دَنِيئَةٌ (عَظِيمَةٌ مِنْ الْعِبَادِ) دُونَ الْمَعْبُودِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ نِسْيَانِ الْعَبْدِ خَالِقَهُ وَعَجْزِهِ وَتَغَافُلِهِ عَنْ خِلْقَتِهِ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ قِيلَ وَفِيهِ يَهْلَكُ الْخَوَاصُّ مِنْ الْخَلْقِ وَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادُ وَالزُّهَّادُ وَالْعُلَمَاءُ فَضْلًا عَنْ عَوَامِّ النَّاسِ وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» (وَضِدُّهُ) أَيْ الْكِبْرِ (الضِّعَةُ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا وَ (هِيَ) أَيْ الضِّعَةُ (الرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ) رُؤْيَةِ نَفْسِهِ (دُونَ غَيْرِهِ) أَدْنَى مِنْهُ، الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى النَّفْسِ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ وَبَيْنَهُمَا مَرْتَبَةٌ وَهِيَ أَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ أَحَدٍ وَلَا دُونَهُ بَلْ يَرَى الْمُسَاوَاةَ (وَهِيَ) أَيْ الضِّعَةُ (فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْمَخْلُوقِ) دُونَ الْخَالِقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَعَجْزِهَا وَنُقْصَانِهَا.
وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ وَذَلَّ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ جَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ نَفْسَهُ وَطَابَ كَسْبُهُ وَحَسُنَتْ سَرِيرَتُهُ وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ وَعَزَلَ عَنْ النَّاسِ شَرَّهُ» الْحَدِيثَ.
وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَوَاضَعَ الْعَبْدُ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» .
(وَإِظْهَارُ الْكِبْرِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَكَبُّرٌ قِيلَ الْكِبْرُ إنْ فِي الظَّاهِرِ فَيُسَمَّى تَكَبُّرًا وَإِنْ فِي الْبَاطِنِ فَيُسَمَّى كِبْرًا وَهُوَ أَصْلُ التَّكَبُّرِ (مَوْجُودًا) بِأَنْ وُجِدَ فِي قَلْبِهِ عِنْدَ الْإِظْهَارِ يَعْنِي يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ فَيُظْهِرُهُ مِنْهُ (أَوْ مَعْدُومًا) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي النَّفْسِ وَلَكِنَّهُ أَظْهَرَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْكِبْرُ (حَقًّا) كَالتَّكَبُّرِ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ بَاطِلًا) بِأَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ سَوَاءٌ كَانَ (بِقَوْلٍ) وَلَوْ إشَارَةً أَوْ دَلَالَةً (أَوْ فِعْلٍ) كَأَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْغَيْرِ فِي الْمَشْيِ وَالْمَجْلِسِ (تَكَبَّرَ) تَفَعَّلَ وَمَعْنَاهُ تَكَلَّفَ الْكِبْرَ، وَفِي اللَّهِ تَعَالَى الِاتِّصَافُ بِهِ مِنْ الْأَزَلِ فَيُوجَدُ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ (وَالِاسْتِكْبَارُ يَخْتَصُّ بِالْبَاطِلِ) وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِكْبَارِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَأَمَّا بَيْنَ التَّكَبُّرِ وَالِاسْتِكْبَارِ فَمُطْلَقٌ، كَذَا قِيلَ (فَلِذَا) لِاخْتِصَاصِهِ بِالْبَاطِلِ (لَا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِخِلَافِ التَّكَبُّرِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute