للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يَلِيقَ بِجِوَارِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ «فَقَالَ رَجُلٌ» قِيلَ مُعَاذٌ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقِيلَ رَبِيعَةُ بْنُ عَامِرٍ «إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ» قِيلَ أَيْ كُلُّ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَقِيلَ إنَّهُ ذُو النُّورِ وَالْبَهْجَةِ أَيْ مَالِكُهُمَا وَقِيلَ جَمِيلُ الْأَفْعَالِ بِكُمْ وَالنَّظَرِ إلَيْكُمْ يُكَلِّفُكُمْ الْيُسْرَ «يُحِبُّ الْجَمَالَ» أَيْ التَّجَمُّلَ مِنْكُمْ فِي أَنْ لَا تُظْهِرُوا الْحَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى.

فَالتَّجَمُّلُ هُوَ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحُسْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْجَمَالِ فِي اللَّهِ فَإِنَّ الْحُسْنَ بِالْعَرْضِ وَالْجَمَالَ بِالذَّاتِ كَمَا قِيلَ «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ» أَيْ رَدُّهُ، وَعَدَمُ قَبُولِهِ عَنْ الزَّجَّاجِ الْبَطَرُ أَنْ يَطْغَى عِنْدَ النِّعْمَةِ أَيْ يَتَكَبَّرَ وَالْأَصْمَعِيُّ الْحِيرَةُ أَيْ يَتَحَيَّرُ عِنْدَ الْحَقِّ وَلَا يَرَاهُ حَقًّا ( «وَغَمْطُ النَّاسِ» أَيْ احْتِقَارُهُمْ بِأَنْ لَمْ يُرِهِمْ شَيْئًا وَقِيلَ الِاسْتِهَانَةُ وَالِازْدِرَاءُ (ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ» الْخِيَانَةِ وَالِاخْتِلَاسِ مِنْ الْمَغْنَمِ لَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا مُطْلَقُهَا «وَالدَّيْنِ» دَيْنِ الْعِبَادِ أَوْ مُطْلَقِ الدَّيْنِ «دَخَلَ الْجَنَّةَ» دُخُولًا أَوَّلِيًّا لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُحْتَاجٌ إلَى التَّأْوِيلِ وَالتَّقْيِيدِ أَوْ مُجَرَّدُ الْبَرَاءَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا تُصَحِّحُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيرَادِ الْأَحَادِيثِ هُوَ بَيَانُ غَوَائِلِ الْكِبْرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ دَلَّ لَدَلَّ عَلَى طَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالِفِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ ظَنِّيًّا عِنْدَ مُثْبِتِيهِ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَطْلَبِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ إلَّا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَا مَنْعَ فِي كَوْنِهِ تَأْيِيدًا لِلنَّصِّ فَالْمَحْذُورُ مَا يَكُونُ لِلْإِثْبَاتِ ابْتِدَاءً لَا مَا يَكُونُ تَأْيِيدًا ثُمَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الدَّيْنُ شَيْنُ الدِّينِ الْأَوَّل بِفَتْحِ الدَّالِ وَالثَّانِي بِكَسْرِ الدَّالِ وَالشَّيْنُ الْعَيْبُ وَالنَّقْصُ، وَفِيهِ أَيْضًا الدَّيْنُ رَايَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُذِلَّ عَبْدًا وَضَعَهَا فِي عُنُقِهِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَحَّ اسْتِدَانَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ «إنَّهُ أَوْصَى فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَقَالَ يَا عَلِيٌّ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ عَلَيَّ كَذَا فَلَا تَمُوتَنَّ بِلَا أَدَائِهِ» أُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لِضَرُورَةٍ وَالذَّمُّ مَا يَكُونُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَرُدَّ أَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الضَّرُورَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَيَّرَهُ أَنْ تَكُونَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ لَهُ ذَهَبًا وَأُجِيبُ أَنَّهُ خَيَّرَهُ فَاخْتَارَ الْقِلَّةَ وَالْقَنَاعَةَ فَالضَّرُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ أَيْضًا «الدَّيْنُ دَيْنَانِ فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ فَأَنَا وَلِيُّهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَا يَنْوِي قَضَاءَهُ فَذَاكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لَيْسَ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ» .

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إنْ عَنَى قَصْدَ الْأَدَاءِ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَطْلُ.

وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «الدَّيْنُ هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ وَأَيْضًا فِيهِ الدَّيْنُ يُنْقِصُ مِنْ الدِّينِ» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْقَصْدُ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الدَّيْنَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْمَذَلَّةِ فَإِنْ لِضَرُورَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ قَدْ يَجِبُ وَلَا لَوْمَ عَلَى فَاعِلِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَالُوا بِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا اقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِظْهَارَ الْعَجْزِ وَالِافْتِقَارِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مُعْطِيهِ فَمَنْدُوبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ صَرْفَهُ إلَى السَّفَهِ وَالْعِصْيَانِ (هَقّ) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي النَّارِ تَوَابِيتَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>