للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ يَلْزَمُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ تَحْقِيقِيًّا لَا إلْزَامِيًّا وَإِقْنَاعِيًّا، وَفَقَاهَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ سَبَبِ فِعْلِهِ لَا الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ عَلَيْهِ وَأَمَّا وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَبِي الْيُسْرِ فَتَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ وَاجِبٌ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ فَلَا يُقَلَّدُ إلَّا فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَاحْتِجَاجُ الْمُصَنِّفُ إمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى مَنْعِ كَوْنِ سُؤَالِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَلَى الْقِيَاسِ بَلْ الْقِيَاسُ هُوَ التَّوَاضُعُ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ الْخَلِيفَةِ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ مَنْ جَوَّزَ التَّقْلِيدَ بِلَا إيجَابٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَكَانُوا سَاكِتِينَ ثُمَّ السَّامِعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا سَاكِتِينَ وَقَابِلِينَ وَيَكُونُ إجْمَاعًا وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ وُجُوبِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ إجْمَاعًا فِيمَا شَاعَ فَسَكَتُوا وَسَلَّمُوا.

وَفِي كِتَابِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَقَعَ الرِّوَايَةُ هَكَذَا عَنْ طَارِقٍ أَنَّ عُمَرَ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ لَقِيَهُ الْجُنُودُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ وَخُفَّانِ وَعِمَامَةٌ وَهُوَ آخِذٌ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ وَقَدْ خَلَعَ خُفَّيْهِ وَجَعَلَهُمَا تَحْتَ إبْطَيْهِ، قَالُوا لَهُ الْآنَ يَلْقَاك الْجُنُودُ، قَالَ إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَنْ نَلْتَمِسَ الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ.

وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ قِرْبَةً عَلَى عُنُقِهِ فَقِيلَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا قَالَ نَفْسِي أَعْجَبَتْنِي فَأَرَدْت أَذِلُّهَا وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ طَافَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ فِي دَارٍ وَحَوْلَهَا صِبْيَانٌ يَبْكُونَ وَإِذَا قِدْرٌ يَغْلِي عَلَى النَّارِ بِالْمَاءِ فَسَأَلَ عَنْ بُكَائِهِمْ، فَقَالَتْ لِلْجُوعِ فَسَأَلَ عَنْ الْمَاءِ، فَقَالَتْ لِأُرِيَهُمْ مَرَقَةً وَأُعَلِّلَهُمْ بِهِ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ النَّوْمُ، فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ جَاءَ إلَى دَارِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَ فِي غِرَارَةٍ طَعَامًا وَلِبَاسًا وَدَرَاهِمَ، فَقَالَ يَا أَسْلَمُ احْمِلْ عَلَيَّ فَقُلْت أَنَا أَحْمِلُهُ فَقَالَ إنِّي أَنَا الْمَسْئُولُ فِي الْآخِرَةِ فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ فَجَاءَ مَنْزِلَ الْمَرْأَةِ وَجَعَلَ فِي الْقِدْرِ دَقِيقًا وَشَحْمًا وَتَمْرًا وَحَرَّكَهُ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يَنْفُخُ تَحْتَ الْقِدْرِ وَيَخْرُجُ الدُّخَانُ مِنْ خِلَالِ لِحْيَتِهِ حَتَّى طَبَخَ لَهُمْ فَأَطْعَمَهُمْ بِيَدِهِ فَخَرَجَ فَاطَّلَعَ عَلَى ضَحِكِ الصِّبْيَانِ وَسُرُورِهِمْ، فَقَالَ الْآنَ طَابَتْ نَفْسِي وَلِتَوَاضُعِهِ أَيْضًا قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ قَدْ ذَكَرَهَا مَعَ سَائِرِ مَنَاقِبِهِ فِي شَرْحِ وَصَايَا إمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ

(ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ» النَّمْلِ الصَّغِيرِ فِي الذُّلِّ وَالْحَقَارَةِ جَزَاءً عَلَى وِفَاقِ عَمَلِهِمْ «فِي صُوَرِ الرِّجَالِ» زِيَادَةً فِي ذُلِّهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ يَعْنِي جُثَّتَهُمْ كَجُثَّةِ الذَّرَّةِ وَصُورَتَهُمْ كَصُورَةِ الْإِنْسَانِ «يَغْشَاهُمْ» يُحِيطُهُمْ «الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَان» يَتَضَاعَفُ ذُلُّهُمْ وَيَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا «يُسَاقُونَ إلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ» بِالزَّجْرِ وَالْقَهْرِ وَالسَّائِقُونَ هُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ غِلَاظٌ شِدَادٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: ٧١] الْآيَاتِ «يُقَالُ لَهُ بُولَسٌ» بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ آخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، كَذَا قِيلَ عَنْ النِّهَايَةِ وَقِيلَ فُوعِلٌ مِنْ الْإِبْلَاسِ بِمَعْنَى الْيَأْسِ وَلَعَلَّ السِّجْنَ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بِهِ يَئِسَ مِنْ الْخَلَاصِ عَمَّا قَرِيبٌ وَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا فَلَعَلَّهُ أَعْجَمِيٌّ إذْ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ مِثَالُهُ

أَقُولُ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَأَمَّلْ فِيهِ «يَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ» يَغْشَاهُمْ وَيُحِيطُهُمْ نَارُ النِّيرَانِ فِي الْقَامُوسِ النَّارُ تُجْمَعُ عَلَى أَنْيَارٍ «يُسْقَوْنَ» عَلَى الْمَفْعُولِ «مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ» مَا يُعْصَرُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ لَعَلَّهَا الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ.

«طِينَةِ الْخَبَالِ» بَدَلٌ مِنْ عُصَارَةِ وَالْخَبَالُ الْفَسَادُ أَيْ الطِّينَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ فَسَادِ أَبْدَانِ أَهْلِ النَّارِ وَقِيلَ اسْمُ مَوْضِعٍ فِي جَهَنَّمَ يَجْتَمِعُ فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ كَالْحَوْضِ وَقِيلَ السُّمُّ الْقَاتِلُ وَالْهَلَاكُ وَالْعَنَاءُ وَالتَّعَبُ (م) مُسْلِمٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>