للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْقَنَوِيُّ سِرُّ عَدِّ الْمَلِكِ الْكَذَّابِ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَذِبَ قِسْمَانِ ذَاتِيٌّ وَصِفَاتِيٌّ فَالصِّفَاتِيُّ مَحْصُورٌ فِي مُوجِبَيْنِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَالْمَلِكُ مَحِلُّهُمَا ظَاهِرًا وَلَيْسَ حُكْمُهُ مَعَ الرَّعِيَّةِ بِصُورَةِ رَهْبَةٍ مِنْهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ فِيمَا عِنْدَهُمْ تُوجِبُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْكَذِبِ فَإِذَا كَانَ الْمَلِكُ كَذَّابًا فَلَا مُوجِبَ إلَّا لُؤْمُ الطَّبْعِ فَهُوَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لَهُ، وَالْأَوْصَافُ الذَّاتِيَّةُ الْجِبِلِّيَّةُ تَسْتَلْزِمُ نَتَائِجَ تُنَاسِبُهَا كَذَا فِي الْفَيْضِ.

وَعَنْ الْأَرْبَعِينَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ وَبُغْضُهُ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ أَشَدُّ أَوَّلُهَا يُبْغِضُ الشُّبَّانَ الْفُسَّاقَ وَبُغْضُهُ لِلشُّيُوخِ الْفُسَّاقِ أَشَدُّ وَالثَّانِي يُبْغِضُ الْبُخَلَاءَ وَبُغْضُهُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْبُخَلَاءِ أَشَدُّ وَالثَّالِثُ يُبْغِضُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَبُغْضُهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ أَشَدُّ» .

وَيُقَالُ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ وَحُبُّهُ لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَشَدُّ أَوَّلُهَا يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَحُبُّهُ لِلشُّبَّانِ الْأَتْقِيَاءِ أَشَدُّ وَالثَّانِي يُحِبُّ الْأَسْخِيَاءَ وَحُبُّهُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَسْخِيَاءِ أَشَدُّ وَالثَّالِثُ يُحِبُّ الْمُتَوَاضِعِينَ وَحُبُّهُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْمُتَوَاضِعِينَ أَشَدُّ» انْتَهَى (حَكَّ) الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ.

(عَنْ طَارِقٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّهُ خَرَجَ عُمَرُ) مُتَوَجِّهًا (إلَى الشَّامِ) إقْلِيمٍ مَعْرُوفٍ أَوَّلُهُ نَابُلُسُ وَآخِرُهُ الْعَرِيشُ (وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ) بْنُ الْجَرَّاحِ (فَأَتَوْا) أَيْ عُمَرُ مَعَ عَسْكَرِهِ (عَلَى مَخَاضَةٍ) مَوْضِعِ خَوْضِ الْمَاءِ (وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ) عَنْهَا لِتَمَامِ نَوْبَةِ الرُّكُوبِ فَأَرْكَبَ غُلَامَهُ عَلَيْهَا (وَخَلَعَ خُفَّيْهِ) مِنْ قَدَمَيْهِ (فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ) تَوَاضُعًا (وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ) فِي الْمَاءِ (فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) أَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَمْ يُلَقَّبْ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ (أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟) بِاسْتِفْهَامٍ مُقَدَّرٍ لِلتَّعَجُّبِ (مَا يَسُرُّنِي) مَا يُعْجِبُنِي هَذَا الْفِعْلُ مِنْك (فَإِنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ) أَيْ الشَّامِ (اسْتَشْرَفُوك) يُقَالُ اسْتَشْرَفَ الشَّيْءَ إذَا ارْتَفَعَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى حَاجِبَيْهِ يَعْنِي: أَنَّ الْقَوْمَ يَنْظُرُونَ إلَيْك وَيُحَقِّرُونَ ذَلِكَ (فَقَالَ أَوَّهْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَاءِ كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ (وَلَمْ يَقُلْ ذَا) إشَارَةً إلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَحَدٌ (غَيْرُك) يَا (أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْته) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ (نَكَالًا) سَبَبَ نَكَالٍ وَعَذَابٍ (لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهُ يَنْتَشِرُ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعِزَّ وَالشَّرَفَ بِالْمَرَاكِبِ الرَّفِيعَةِ وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ لَا بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَةِ فَيَحْصُلُ الْكِبْرُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْعَذَابِ كَمَا ذَكَرَ الْمُحَشِّي، وَأَنَا أَقُولُ إنَّهُمْ أُسْوَةٌ لِلْأُمَّةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُتَابَعَتِهِمْ بِلِسَانِ الرِّسَالَةِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ (إنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ) كَمَا فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي جَهَالَةٍ وَقِيلَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْعَرَبَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ طَاعَةِ الْفُرْسِ وَكَانَ سُلْطَانُهُمْ يَتَوَلَّى وَيُعْزَلُ بِأَمْرِ كِسْرَى وَكَانَتْ الشَّوْكَةُ حِينَئِذٍ لِلرُّومِ وَفَارِسَ (فَأَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ) بِكَثْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِشَرَفِ أَصْلِ الْإِسْلَامِ (فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّ بِغَيْرِ مَا) مِنْ نَحْوِ الْمَرَاكِبِ وَالْمَلَابِسِ (أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ) مِنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (أَذَلَّنَا اللَّهُ تَعَالَى) لِأَنَّهُ اعْتِزَازٌ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ وَمَنْ سَلَكَ إلَى غَيْرِ طَرِيقِ الْمَطْلُوبِ ضَلَّ سَعْيُهُ وَخَسِرَ كَدَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْعِزَّ بِالْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَإِذَا طُلِبَ الْعِزُّ بِغَيْرِهِ أَذَلَّهُ اللَّهُ فَأَفَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ التَّوَاضُعَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عِزٌّ وَرِفْعَةٌ وَالْكِبْرُ خِلَافُهُ فَإِنْ قِيلَ سُؤَالُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَارِدٌ عَلَى نَهْجِ الْقِيَاسِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ إمَامًا أَوْ مُفْتِيًا أَوْ حَاكِمًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>