«الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إلَى فَسَقَةِ الْقُرَّاءِ» أَيْ فَسَقَةِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ هَذَا الْمَخْرَجِ «مِنْهُمْ إلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ» الظَّرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ وَالْوَثَنُ بِفَتْحَتَيْنِ الصَّنَمُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ «فَيَقُولُونَ» أَيْ الْفَسَقَةُ لِلزَّبَانِيَةِ وَالْقَوْلُ لِبَعْضِهِمْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ إلَخْ «أَيُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ» تَعَجُّبًا وَإِنْكَارًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَاذِيَ الْكَفَرَةَ فِي الْعَذَابِ فَضْلًا عَنْ السَّبْقِ لَهُمْ «فَيُقَالُ لَهُمْ» مِنْ جَانِبِ الزَّبَانِيَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنْ النَّاسِ فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى الْعِلْمِ أَنْ يَعْلَمُوا وَجْهَ الِابْتِدَاءِ بِهِمْ قُلْنَا مُطْلَقُ الْعِلْمِ لَا يَقْتَضِي مَعْرِفَةَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ رُبَّ عَالِمٍ لَا يَعْلَمُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً سِيَّمَا الْأَشْيَاءُ الَّتِي خَفِيَ وَجْهُهَا وَدَقَّ فَهْمُهَا لِعَارِضٍ كَمَا أُشِيرَ أَوْ فِي نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَلَ عَنْهُ لِكَمَالِ دَهْشَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ «لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ» فَإِنَّ الذَّنْبَ وَالْمُخَالَفَةَ تَعْظُمُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمُخَالِفِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِلتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْنَاقِكُمْ مِنْ الشَّعْرِ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُوبِقَاتِ إذْ كَانَتْ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى أَتَمَّ فَكَانَ الصَّغَائِرُ عِنْدَهُمْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ كَبَائِرَ، فَبِهَذَا السَّبَبِ يَعْظُمُ مِنْ الْعَالِمِ مَا لَا يَعْظُمُ مِنْ الْجَاهِلِ وَيُتَجَاوَزُ لَهُ مِنْ الْمَعَاصِي مَا لَا يُتَجَاوَزُ لِلْعَالِمِ
فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَشَدِّيَّةَ عَذَابِ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ مِنْ الْكَافِرِ سِيَّمَا الْمُشْرِكُ الْعَابِدُ لِلْوَثَنِ وَالْإِجْمَاعُ وَصَرِيحُ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافِهِ قُلْنَا يَجُوزُ أَنَّ كَوْنَ الْأَشَدِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْأَشَدِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِفَسَقَةِ الْقُرَّاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ بِنَحْوٍ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالْعَلَاقَةُ ظَاهِرَةٌ وَالسَّوْقُ قَرِينَةٌ أَوْ يُرَادُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ جِنْسُ مَنْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِنَحْوٍ مِنْ التَّمَحُّلِ أَيْضًا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْمُخَالِفُ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ أَوْ الْإِجْمَاعُ مُنْكَرٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْفَيْضِ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ مَوْضُوعٌ وَعَنْ الطَّبَرَانِيِّ غَرِيبٌ وَقِيلَ عَنْ الذَّهَبِيِّ مُنْكَرٌ وَأَيْضًا فِي الْمِيزَانِ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي الْفَيْضِ أَيْضًا عَنْ الْمُنْذِرِيِّ لَهُ مَعَ غَرَابَتِهِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تِلْكَ الشَّوَاهِدُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ مَعَ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِهِ لِلْقِيَاسِ كَمَا عَرَفْت وَأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَاتُ الشَّيْءِ بَاطِلًا فَهَلْ يَصِحُّ بِالْوَصْفِ الْعَرْضِيِّ فَافْهَمْ
(حَكَّ) الْحَاكِمُ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ عَلَى الْعِبَادِ» لِحِفْظِهِمْ الشَّرِيعَةَ مِنْ تَحْرِيفِ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ فَفِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ وَالتَّعْوِيلُ فِي أَمْرِ الدِّينِ عَلَيْهِمْ، وَالْأُمَنَاءُ جَمْعُ أَمِينٍ وَهُوَ الثِّقَةُ الْحَافِظُ لِمَا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْجَبَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ سُؤَالَهُمْ حَيْثُ قَالَ - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]- قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَإِذَا كَانُوا أُمَنَاءَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَكَفَّلَ كُلُّ عَالِمٍ بِإِقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ أَوْ مَسْجِدٍ بِتَعْلِيمِ أَهْلِهَا دِينَهُمْ وَتَمْيِيزِ مَا يَضُرُّهُمْ مِمَّا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يُشْقِيهِمْ مِمَّا يُسْعِدُهُمْ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ إلَى أَنْ يُسْأَلَ، بَلْ يَتَصَدَّى لِدَعْوَةِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا النَّاسَ عَلَى جَهْلِهِمْ، بَلْ كَانُوا يُنَادُونَهُمْ فِي الْمَجَامِعِ وَيَدُورُونَ عَلَى دُورِهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَطْلُبُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيُرْشِدُونَهُمْ فَإِنَّ مَرْضَى الْقُلُوبِ لَا يَعْرِفُونَ مَرَضَهُمْ كَمَا أَنَّ مَنْ ظَهَرَ عَلَى وَجْهِهِ بَرَصٌ لَا يَعْرِفُ بَرَصَهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى السَّلَاطِينِ أَنْ يُرَتِّبُوا فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ الْمَرْضَى إذْ لَيْسَ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ إلَّا مَيِّتٌ وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا إلَّا سَقِيمٌ وَمَرَضُ الْقُلُوبِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَضِ الْأَبْدَانِ وَالْعُلَمَاءُ أَطِبَّاءُ وَالسَّلَاطِينُ قُوَّامُ دِيَارِ الْمَرْضَى فَكُلُّ مَرِيضٍ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ بِمُدَاوَاةِ الْعَالِمِ سُلِّمَ لِلسُّلْطَانِ لِيَكُفَّ شَرَّهُ عَنْ النَّاسِ كَمَا يُسَلِّمُ الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ لِمَنْ يُحِبُّهُ.
وَأَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى رِوَايَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ أُمَّتِي» قَالَ الْفَيْضُ فِي شَرْحِهِ قَالَ الْخَطِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute