هَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ وَهُمْ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عِلْمًا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِأَحْكَامِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ثُمَّ أَطَالَ بِكَلَامٍ لَطِيفٍ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْمَقَامُ وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» فَإِنَّ الرُّسُلَ اسْتَوْدَعُوهُمْ الشَّرَائِعَ الَّتِي جَاءُوا بِهَا وَهِيَ الْعُلُومُ وَالْأَعْمَالُ وَكَلَّفُوا الْخَلْقَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَهُمْ أُمَنَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ وَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ وَوَافَقَ سِرُّهُ عَلَنَهُ كَانَ جَارِيًا عَلَى سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ الْأَمِينُ وَمَنْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ فَهُوَ الْخَائِنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ دَرَجَاتٌ فَلِذَلِكَ قَالَ «مَا لَمْ يُخَالِطُوا السُّلْطَانَ» بِلَا مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ «وَيَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا» لِأَنَّهُمْ إذَا دَخَلُوا فِيهَا تَلَطَّخُوا بِأَقْذَارِهَا وَتَدَنَّسُوا بِأَدْنَاسِهَا.
«فَإِذَا دَخَلُوا فِي الدُّنْيَا» الَّتِي حُبُّهَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ «وَخَالَطُوا السُّلْطَانَ» الَّذِي لَا تَخْلُو خُلْطَتُهُ مِنْ الْمُدَاهَنَةِ وَالْخَوْضِ فِي الثَّنَاءِ وَالْإِطْرَاءِ فِي الْمَدْحِ وَفِيهِ هَلَاكُ الدِّينِ إذْ بِهِ يَهْتَزُّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ «فَقَدْ خَانُوا الرُّسُلَ فَاعْتَزِلُوهُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَاحْذَرُوهُمْ» أَيْ خَافُوا مِنْهُمْ وَاسْتَعِدُّوا وَتَأَهَّبُوا لِمَا يَبْدُو مِنْهُمْ مِنْ الشَّرِّ فَإِنَّ تَقَرُّبَهُمْ بِاسْتِمَالَةِ قَلْبِهِ وَتَحْسِينِ قَبِيحِ فِعْلِهِ وَمَا يُوَافِقُ هَوَاهُ وَإِنْ أَخْبَرُوهُ بِمَا فِيهِ نَجَاتُهُ اسْتَثْقَلَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ وَالْعُلَمَاءُ سَادَاتُ النَّاسِ، وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ بِلَا الْتِبَاسٍ مَا لَمْ يَتَنَجَّسُوا بِحُطَامِ الدُّنْيَا فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ سَقَطُوا مِنْ مَرَاتِبِهِمْ الْعَلِيَّةِ وَهَانُوا عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَفِي الْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ (ز) الْبَزَّارُ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «تَعَرَّضْت أَوْ تَصَدَّيْت) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْت لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ غُفْرًا» أَسْأَلُك مَغْفِرَةً «سَلْ عَنْ الْخَيْرِ» لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ الْحَرِيُّ أَنْ يُسْأَلَ يَعْنِي سَلْ عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خَيْرًا «وَلَا تَسْأَلْ عَنْ الشَّرِّ» أَيْ عَنْ النَّاسِ لَا عَنْ نَفْسِ الشَّرِّ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْهُ مَمْدُوحٌ وَإِنْ تُوُهِّمَ.
ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ «شِرَارُ النَّاسِ» إنَّمَا أَجَابَ عَنْهُ بَعْدَ مَنْعِ سُؤَالِهِ؛ لِأَنَّ فِي جَوَابِهِ فَوَائِدَ مُهِمَّةً وَمَقَاصِدَ جَمَّةً، وَالْأَقْرَبُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَنْعَ الْأَصْلِيَّ بَلْ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى وَالْأَحْرَى «شِرَارُ الْعُلَمَاءِ» لِأَنَّهُمْ عَصَوْا رَبَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ، وَالْمَعْصِيَةُ مَعَ الْعِلْمِ أَقْبَحُ مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَثَلُ الْعُلَمَاءِ السُّوءِ مَثَلُ صَخْرَةٍ وَقَعَتْ عَلَى فَمِ النَّهْرِ لَا تَشْرَبُ وَلَا تَتْرُكُ الْمَاءَ يَخْلُصُ إلَى الزَّرْعِ وَمَثَلُ قَنَاةِ الْبَالُوعَةِ ظَاهِرُهَا جَصٌّ وَبَاطِنُهَا نَتْنٌ وَمَثَلُ الْقُبُورِ ظَاهِرُهَا عَامِرٌ وَبَاطِنُهَا عِظَامُ الْمَوْتَى، وَالْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا الْمَخْرَجِ «شِرَارُ أُمَّتِي شِرَارُ الْعُلَمَاءِ فِي النَّاسِ» .
(طص) الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ (هَقّ) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ» لِأَنَّ عِصْيَانَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute