عَنْ إدْرَاكٍ وَلِذَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ لِكَوْنِهِمْ جَحَدُوا بَعْدَ الْعِلْمِ وَكَانَ الْيَهُودُ شَرًّا مِنْ النَّصَارَى لِكَوْنِهِمْ أَنْكَرُوا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ أَعْظَمَهُمْ ثَوَابًا عَالِمٌ يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالْعِلْمُ لَا يُهْمِلُ الْعَالِمَ بَلْ يُهْلِكُهُ هَلَاكَ الْأَبَدِ أَوْ يُحْيِيهِ حَيَاةَ الْأَبَدِ فَمَنْ لَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ رَأْسًا بِرَأْسٍ فَهَيْهَاتَ خَطَرُهُ عَظِيمٌ وَطَالِبُهُ طَالِبُ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْعَذَابُ السَّرْمَدُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ أَوْ الْهَلَكِ فَهُوَ كَطَالِبِ الْمُلْكِ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ الْإِصَابَةُ لَمْ يَطْمَعْ فِي السَّلَامَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ إنَّمَا كَانَ عَذَابُهُ أَشَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ يَعْلَمُ لَذَّةَ الْوُصُولِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَيَزِيدُ عَذَابُ الْعَالِمِ بِعَذَابِ عَدَمِ الْوُصُولِ عَلَى عَذَابِ الْجَاهِلِ بِالْعَذَابِ الْحِسِّيِّ وَقَدْ قَالُوا الْعَذَابُ الرُّوحَانِيُّ أَبْلَغُ مِنْ الْجُسْمَانِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَيْضِ عَنْ الْمُنْذِرِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالذَّهَبِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ غَرِيبٌ سَنَدًا وَمَتْنًا وَعَنْ الْغَيْرِ مَتْرُوكٌ، وَعَنْ ابْنِ عَدِيٍّ فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ وَعَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْنَادًا وَمَتْنًا فَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ بِإِتْيَانِهِ مُجَرَّدُ التَّأْيِيدِ لَا الدَّلِيلُ مُسْتَقِلًّا، نَعَمْ قَالَ فِيهِ أَيْضًا لِلْحَدِيثِ أَصْلٌ أَصِيلٌ إذْ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ مَرْفُوعًا «أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ وَالْمُصَوِّرُونَ وَعَالِمٌ لَا يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ» ، ثُمَّ قَالَ فَلَوْ عَزَاهُ الْمُؤَلِّفُ كَانَ أَحْسَنَ
وَأَنَا أَقُولُ فَلَوْ عَزَاهُ هَذَا الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا لَكَانَ أَقْوَمَ مِنْهُ فِي الْحُسْنِ لِكَوْنِ هَذَا الْمَقَامِ مَقَامَ الِاحْتِجَاجِ وَإِثْبَاتُ الْمُدَّعَى دُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (حَدّ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ) قِيلَ الْعَالِمُ الْمَشْهُورُ (أَنَّهُ قَالَ «نُبِّئْت» أَيْ أُخْبِرْت يَعْنِي أَخْبَرَنِي بَعْضٌ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَإِلَّا فَجِنْسُ مِثْلِ هَذَا الْمَطْلَبِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِالرَّأْيِ وَالدِّرَايَةِ، بَلْ مِنْ النَّقْلِيَّةِ «أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ يَتَأَذَّى أَهْلُ النَّارِ بِرِيحِهِ» الْمُنْتِنِ «فَيُقَالُ لَهُ» أَيْ مِنْ الْمُجَاوِرِ لَهُ فِي الْعَذَابِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الظَّاهِرُ عُصَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِطْلَاقُ سِيَّمَا بِنَحْوِ بَعْضِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ «وَيْلَك مَا كُنْت تَعْمَلُ» فِي الدُّنْيَا «أَمَا يَكْفِينَا مَا نَحْنُ فِيهِ» مِنْ الْعَذَابِ «حَتَّى اُبْتُلِينَا بِك وَبِنَتْنِ رِيحِك، فَيَقُولُ كُنْت عَالِمًا فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِعِلْمِي» لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيْلَك مَعَ قَوْلِهِ أَمَا يَكْفِينَا إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ الِاسْتِفْهَامِ لِنَحْوِ التَّوْبِيخِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِرَادَتُهُمَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَائِدَةَ السُّؤَالَ إنَّمَا تَكُونُ لِنَحْوِ الِانْزِجَارِ وَالِاعْتِبَارِ أَوْ لِإِخْطَارِ الْمَضَرَّةِ لِئَلَّا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي تِلْكَ الدَّارِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ السُّؤَالُ الْحَقِيقِيُّ وَالتَّوْبِيخُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ، بَلْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَا يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لِزِيَادَةِ تَفْضِيحِ هَذَا الْعَالِمِ وَتَخْجِيلِهِ وَلِزِيَادَةِ عَذَابٍ عَلَى عَذَابِهِ لَا يُنَاسِبُ كَوْنَ السَّائِلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ مِنْ هَذَا النَّتْنِ تَعْذِيبٌ لَهُمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ مَعَاصِيهِمْ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَالِاحْتِجَاجُ بِمُطْلَقِ الْمُرْسَلِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَكَلَامٌ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (حب) ابْنُ حِبَّانَ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّهُ قَالَ لَا يَكُونُ الْمَرْءُ عَالِمًا) مُعْتَدًّا بِهِ مَرْضِيًّا بِعِلْمِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ (حَتَّى يَكُونَ بِعِلْمِهِ عَامِلًا) فَالْعِلْمُ إنَّمَا يَنْفَعُ بِالْعَمَلِ كَإِبْلِيسَ عَالِمٌ بِدَقَائِقِ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ لِعَدَمِ عَمَلِهِ
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي النَّصَائِحِ الْوَلَدِيَّةِ أَيُّهَا الْوَلَدُ لَا تَكُنْ مِنْ الْأَعْمَالِ مُفْلِسًا وَمِنْ الْأَحْوَالِ خَالِيًا تَيَقَّنْ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُجَرَّدَ لَا يَأْخُذُ الْيَدَ مِثَالُهُ لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ فِي بَرِّيَّةٍ عَشَرَةُ أَسْيَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute