للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (وَأَمَّا الرِّيَاءُ بِطَاعَةٍ أَوْ دَلِيلِهَا) ، نَحْوُ ذُبُولِ الشَّفَتَيْنِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ (فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ عَمَلٍ بِمُقْتَضَاهُ) فَلَا يُوجَدُ بِلَا أَثَرٍ فَلَا يُوجَدُ لَهُ التَّجَرُّدُ فَلَا تَرْتَفِعُ عَنْهُ الْحُرْمَةُ (فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ بَعْضِ الشُّبُهَاتِ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَرِعٌ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الشُّبُهَاتِ (وَهُوَ) أَيْ الْكَفُّ (عَمَلُهَا) أَيْ الْجَوَارِحِ (وَالذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ وَالتَّفَكُّرُ) بِنِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُظْهِرُهُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجْعَلُهُ خَطِيرًا شَرِيفًا فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ، وَهَذَا رِيَاءٌ بِنَفْسِ الطَّاعَةِ (عَمَلٌ قَلْبِيٌّ) فَلَا يَنْفَكُّ الرِّيَاءُ بِحَالٍ عَنْ الْعَمَلِ (وَكِلَاهُمَا) أَيْ الذِّكْرُ وَالتَّفَكُّرُ (عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الرِّيَاءِ) فَعَدَمُ انْفِكَاكِ الرِّيَاءِ عَنْ الْعَمَلِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا كَفُّ الْحَسُودِ وَالْجَوَارِحِ) عَنْ مُقْتَضَاهُ (فَلَيْسَ بِعَمَلٍ بِمُقْتَضَى حَسَدِهِ بَلْ عَمَلٌ بِضِدِّ مُقْتَضَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ أَثَرِهِ لَا بِتَرْكِهِ قِيلَ فَلِذَا لَمْ يَأْثَمْ مَنْ وَجَدَ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ أَوْ عَدَمُ حُصُولِهَا لِلْمَحْسُودِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ. (وَأَمَّا الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ فَمِنْ قَبِيلِ اعْتِقَادِ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةُ) فِي أَنَّ قُبْحَهُمَا لِذَاتِهِمَا (وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) نُقِلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ لَمَّا كَانَ هَذَا الْإِلْحَاقُ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ لَا بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْأَئِمَّةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.

أَقُولُ قَالَ فِي بَعْضِ حَوَاشِي الْكِتَابِ إنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُقَالُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ شُبْهَةٌ وَارْتِيَابٌ لَعَلَّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الِاشْتِبَاهِ بَيْنَ الْحَسَدِ وَبَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ بَلْ الْأَوْلَوِيَّةُ وَالْمُقَايَسَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ تَحَكُّمٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ رِعَايَةِ الْمُحَاسَبِيِّ أَنَّ الْحَسَدَ الْمُحَرَّمَ يَكُونُ مِنْ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ (وَإِنْ لَمْ تُرِدْ) أَنْتَ (زَوَالَ النِّعْمَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْمَبْحَثِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ الْحَسَدُ إرَادَةُ زَوَالِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَكِنْ أَرَدْت لِنَفْسِك مِثْلَهَا فَهُوَ غِبْطَةٌ وَمُنَافَسَةٌ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ) عَنْ الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الْغِبْطَةُ حُسْنُ الْحَالِ غَبَطْتَهُ غَبْطًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا تَمَنَّيْت مِثْلَ مَا نَالَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرِيدَ زَوَالَهُ عَنْهُ لِمَا أَعْجَبَك مِنْهُ وَعَظُمَ عِنْدَك وَفِي الْحَدِيثِ أَقْوَمُ مَقَامٍ يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَعَنْ الرِّعَايَةِ الْحَسَدُ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ الْمُنَافَسَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦] وَقَالَ - {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: ٢١]- {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]- وَلَا تَكُونُ الْمُسَابَقَةُ إلَّا أَنْ يُسَابِقَ غَيْرَهُ لَعَلَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ» (بَلْ) هُوَ (مَنْدُوبٌ فِي الدِّينِيِّ) بَلْ قَدْ يَجِبُ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ إنْ كَانَ مَا رَأَى فِي غَيْرِهِ إتْيَانُ فَرْضٍ وَانْتِهَاءَ مُحَرَّمَ فَحَسَدُهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ وَلَمْ يَغْتَمَّ وَيَحْزَنْ عَلَى مَا تَخَلَّفَهُ وَلَمْ يَأْتِ مِثْلَهُ يَكُنْ عَاصِيًا. (وَحِرْصٌ مَذْمُومٌ فِي الدُّنْيَوِيِّ) فَالْغِبْطَةُ إمَّا فِي دُنْيَوِيٍّ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَإِمَّا فِي دِينِيٍّ مَمْدُوحٌ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ (وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي مَبْحَثِ الْحِرْصِ

. وَعَنْ الرِّعَايَةِ إنْ كَانَ مَا رَأَى فِي الْغَيْرِ مِنْ اللَّذَّاتِ وَالنَّعَمَاتِ مُبَاحًا لَهُ فَاغْتَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ مِثْلَهُ وَاجِبٌ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فَيُوَسَّعَ عَلَيْهِ فَيَكُونَ مُتَنَعِّمًا مِثْلَهُ فَمُبَاحٌ لَهُ لَكِنْ يَنْقُصُ الْفَضْلُ وَالزُّهْدُ وَإِنْ مُحَرَّمًا كَاكْتِسَابِ الْحَرَامِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ بِالْمَعَاصِي فَاغْتَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ مِثْلَهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ، وَلَيْسَ بِحَسَدٍ مُحَرَّمٍ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْغِشِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>