للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَانْزِعَاجٌ مِنْ قَلْبِهِ يَحْمِلُهُ) أَيْ الْعَبْدَ (عَلَى مَنْعِ الْحَرِيمِ) أَوْ ذَاتِ الْحَرِيمِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ وَهُوَ السَّاكِنُ فِي حَرِيمِهِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ (مِنْ الْفَوَاحِشِ) كَالزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ (وَمُقَدَّمَاتِهَا) ، نَحْوُ التَّكَلُّمِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالنَّظَرِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (لِأَنَّ فِيهِ كَرَاهِيَةَ الِاشْتِرَاكِ) مِنْ الْغَيْرِ فِيمَا ذُكِرَ الَّذِي هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ. وَحَاصِلُهُ أَيْضًا مَنْعُ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ (وَهَذِهِ) الْغَيْرَةُ. (وَاجِبَةٌ) (م) مُسْلِمٌ.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيُّ (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْت مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ» أَيْ أَلَمْ أَمَسَّهُ بِالْقَتْلِ «حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ» مِنْ الرِّجَالِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ» فَإِنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَذَلِكَ «قَالَ» سَعْدٌ «كَلًّا» قَالَ فِي الْحَاشِيَةُ لَيْسَ هَذَا مِنْ سَعْدٍ رَدًّا أَوْ رَدْعًا لِرَسُولِ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كُفْرٌ بَلْ إخْبَارٌ عَمَّا فِي قَلْبِهِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنَّ نَفْسِي لَا تَتَحَمَّلُ ذَلِكَ بَلْ تُبَاشِرُ الْقَتْلَ قَبْلَهُ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْت لَكِنَّ نَفْسِي لَيْسَتْ بِقَانِعَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى الرَّدْعِ كَحَرْفِ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ وَبِمَعْنَى حَقًّا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي قَلْبِي وَبِمَعْنَى اسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ كُلُّ ذَلِكَ مَعَانٍ لَهُ ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ «وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ» نَبِيًّا «إنْ كُنْت» أَيْ إنِّي كُنْت فَإِنْ مُخَفَّفَةٌ «لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ» أَيْ قَبْلَ قِيَامِ تِلْكَ الشُّهُودِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَأْنِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُعَالَجَةُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالشُّهَدَاءِ وَإِنْ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسِي لَا تَتَحَمَّلُ ذَلِكَ لِفَرْطِ غَيْرَتِهَا وَكَمَالِ حَمِيَّتِهَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُك هَذَا أَوْ لَمْ أَعْلَمْ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي مِنْ الصَّحَابِيِّ أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ الشَّرْعِ سِيَّمَا فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ.

(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ» ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ «إنَّهُ لَغَيُورٌ» ؛ لِأَنَّهُ لِغَايَةِ حِرْصِهِ عَلَى مَنْعِ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ يَتَجَاسَرُ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ. «وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَغْيَرُ مِنِّي» يَشْكُلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقْتَضَى الْغَيْرَةِ الْقَتْلُ بِلَا شُهُودٍ فَكَيْفَ كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيَّ التَّوَقُّفُ عَلَى الشُّهُودِ وَكَيْفَ تَكُونُ غَيْرَةُ اللَّهِ وَغَيْرَةُ رَسُولِهِ سَابِقَةً عَلَى غَيْرَةِ سَعْدٍ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ غَيْرَةٌ لَمَا مَنَعَ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ عَلَى الشُّهُودِ بَلْ ظَاهِرُهُ تَنَافٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَعِيدٌ.

أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَغَيُورٌ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنِّي أَغْيَرُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِي تَعْجِيلٌ بَلْ أُمْهِلُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَا عَيَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ قِيَامِ الشُّهُودِ وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَهُوَ يُمْهِلُ وَلَا يُعَجِّلُ الْعُقُوبَةَ فِي فَوْرِ الْفَوَاحِشِ وَفِي وَصْفِهِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالسِّيَادَةِ إشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إلَى وَجْهِ الْإِمْهَالِ مِنْ أَنَّ شَأْنَ السَّادَاتِ الِاقْتِدَارُ عَلَى الِانْتِقَامِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءُوا فَلَا فُرْصَةَ تَفُوتُ. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَقْصُودُ هُوَ مَنْعُ سَعْدٍ عَنْ تَعْجِيلِهِ الْعُقُوبَةَ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ اسْمَعُوا وَقَوْلِهِ نَعَمْ هَذَا لَكِنَّ ظَاهِرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفِقْهِيَّةِ كَالْبَزَّازِيَّةِ رَأَى فِي مَنْزِلِهِ رَجُلًا مَعَ أَهْلِهِ يَزْنِي وَخَافَ إنْ أَخَذَهُ يَقْهَرُهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ قَتَلَهُمَا وَفِي الزَّيْلَعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>