للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَبَائِرِ وَالْحَسَدُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً. قُلْنَا الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْقَاقِ (وَالرَّابِعُ دُخُولُ النَّارِ) (دَيْلَمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سِتَّةٌ يَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ الْحِسَابِ» لِفَرْطِ شَقَاوَتِهِمْ وَقُوَّةِ عُتُوِّهِمْ «بِسِتَّةِ» خِصَالٍ مِنْ الْمَعَاصِي قَرِيبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ انْقِسَامِ أَجْزَاءِ الْعِوَضِ بِأَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ فَمِنْ قَبِيلِ انْقِسَامِ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ فَلَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ كَفَى فِي ذَلِكَ الدُّخُولُ فَقِسْ عَلَيْهِ اجْتِمَاعَ تِلْكَ الْخِصَالِ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْأُمَرَاءُ بِالْجَوْرِ» أَيْ بِالظُّلْمِ لِخِيَانَتِهِمْ لِأَمَانَتِهِ تَعَالَى وَكُفْرَانِهِمْ أَعْظَمَ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ فِي مَقَامِ خِلَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ عَظُمَتْ جِنَايَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ « (وَالْعَرَبُ بِالْعَصَبِيَّةِ» بِالتَّعَصُّبِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ وَالْغَيْرَةِ فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَى أَنْ يَخْرِقُوا أَسْتَارَ الشَّرْعِ «وَالدَّهَاقِينَ» رَئِيسُ الْقَرْيَةِ مَثَلًا «بِالْكِبْرِ وَالتُّجَّارُ بِالْخِيَانَةِ» بِنَحْوِ الْكَذِبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحِيلَةِ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَنَحْوِ سَتْرِ الْعَيْبِ «وَأَهْلُ الرُّسْتَاقِ» السَّوَادُ وَالْقُرَى «بِالْجَهْلِ» عَلَى مَا لَزِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ «وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَسَدِ» خَصَّهُ بِالْعُلَمَاءِ، إمَّا لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِمْ أَشَدُّ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِمْ، أَوْ لِأَنَّ الْحَسَدَ فِيهِمْ أَكْثَرُ سِيَّمَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْعُلَمَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْسَدُ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْحَسَدِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا قِيلَ. عَدُوُّ الْمَرْءِ مَنْ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ.

وَعَنْ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَسَدَ عَشَرَةً فَجَعَلَ فِي الْعُلَمَاءِ تِسْعَةً وَفِي الدُّنْيَا وَاحِدًا وَقَسَّمَ الْمَصَائِبَ عَشَرَةً فَجَعَلَ فِي الصَّالِحِينَ تِسْعَةً وَفِي الدُّنْيَا وَاحِدًا وَالذُّلَّ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْيَهُودِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالتَّوَاضُعَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي النَّصَارَى وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالشَّهْوَةَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي النِّسَاءِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْعِلْمَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْعِرَاقِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْإِيمَانَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْيَمَنِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْعَقْلَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الرِّجَالِ وَوَاحِدًا فِي النِّسَاءِ وَالْبَرْكَةَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الشَّامِ وَوَاحِدًا فِي الْأَرْضِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَتْ الْيَهُودُ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَاتَلُوا قَالُوا نَسْأَلُك بِالنَّبِيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُرْسِلَهُ إلَّا مَا نَصَرْتَنَا فَكَانُوا يُنْصَرُونَ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ وَعَرَفُوهُ كَفَرُوا بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ لَهُ حَسَدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: ٨٩] الْآيَةَ.

ثُمَّ نَقُولُ الْمَطْلُوبُ مُطْلَقُ دُخُولِ النَّارِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْحَدِيثِ دُخُولُ الْحَاسِدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَطْ وَدَعْوَى دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَالْمُقَايَسَةِ مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْعُلَمَاءِ لِقُوَّةِ إصْرَارِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِمْ وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً وَلِلْعَالَمِ مَرَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْ.

(وَالْخَامِسُ الْإِفْضَاءُ إلَى إضْرَارِ الْغَيْرِ) أَيْ الْمَحْسُودِ (فَلِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى) نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>