للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلَالٍ وَالْأَوَّلُ نَصِيبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي نَصِيبُ أَهْلِ الْقُلُوبِ وَالْأَوَّلُ يَزُولُ وَالثَّانِي لَا يَزُولُ.

قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ كُلَّمَا صِرْت أَقْرَبَ فَأَمْرُك أَخْوَفُ وَالْمُعَامَلَةُ أَشَدُّ وَالْخَطَرُ أَعْظَمُ فَإِذَنْ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَمْنِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يَقُولُ كَيْفَ تَأْمَنُ وَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥] وَيُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف: ١٠١] وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يَزَالُ يَقُولُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ كَأَنَّهُ فِي سَفِينَةٍ يَخْشَى الْغَرَقَ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَبْكِي كُلَّ لَيْلَةٍ فَقِيلَ أَبُكَاؤُك لِلذُّنُوبِ فَحَمَلَ تِبْنًا فَقَالَ الذُّنُوبُ عَلَى اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا إنَّمَا أَخْشَى أَنْ يَسْلُبَنِي الْإِسْلَامَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى

(ت. عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أَرَى» فِي مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَكُوتِهِ مِنْ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْأَنْوَارِ الْجَلَّالِيَّةِ وَالْجَمَالِيَّةِ «مَا لَا تَرَوْنَ» لِانْحِجَابِ الْقُلُوبِ وَقُصُورِ الْبَصَائِرِ عَنْ النُّفُوذِ فِي عَوَالِمِ الْغُيُوبِ «وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ» أَنْتُمْ بِالِالْتِهَاءِ بِالْأَغْيَارِ وَالِاشْتِغَالِ بِحَوَادِثِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَامْتِلَاءِ الْأَفْكَارِ مِنْ أَوْسَاخِ الْأَكْدَارِ «أَطَّتْ» مِنْ أَطَّ الرَّجُلُ يَئِطُّ أَطِيطًا وَأَطِيطُ الْإِبِلِ حَنِينُهَا مِنْ ثِقَلِ الْأَحْمَالِ «السَّمَاءُ» مِنْ ثِقَلِ مَا فِيهَا وَهَذَا مَثَلٌ لِكَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ كَثْرَةً لَا يَسَعُهَا عَقْلُ الْبَشَرِ فَهُوَ تَقْرِيبٌ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيبُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى «وَحُقَّ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ الْفَاعِلِ «لَهَا» أَيْ السَّمَاءِ «أَنْ تَئِطَّ» أَيْ يَظْهَرَ لَهَا ذَلِكَ الصَّوْتُ «مَا فِيهَا» أَيْ فِي السَّمَاءِ «مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى سَاجِدًا» تَعْظِيمًا لِجَلَالِهِ وَأَدَاءً لِحَقِّ رُبُوبِيَّتِهِ «وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ» مِنْ عِظَمِ جَلَالَتِهِ «لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» لِغَلَبَةِ الْخَوْفِ وَالشَّفَقَةِ مِنْ الِانْتِقَامِ

«وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ» مِنْ هَوْلِ مَا عَلِمْتُمْ «وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ» أَيْ إلَى وُجُوهِ الْأَرَاضِي «تَجْأَرُونَ» تَسْتَغِيثُونَ بِالدُّعَاءِ «إلَى اللَّهِ تَعَالَى» مِنْ رُؤْيَتِكُمْ إفْرَاطَ قُصُورِكُمْ فِي خِدْمَةِ مَوْلَاكُمْ وَقُوَّةِ تَقَاعُدِكُمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ أَيْ لَخَرَجْتُمْ إلَى الْمَفَاوِزِ الصَّحَارِي وَتَوَطَّنْتُمْ فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَارَاتِ لِلتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَلِلْعُزْلَةِ وَالْوِحْدَةِ لِتَحْصِيلِ الطَّاعَاتِ وَرَغَبَاتِ الْعِبَادَاتِ (لَوَدِدْت) تَمَنَّيْت مِنْ عِظَمِ مَا أَرَى وَأَسْمَعُ وَأَعْلَمُ (أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ) تُقْطَعُ بِالْعَضُدِ وَهُوَ حَدِيدَةٌ تُتَّخَذُ لِقَطْعِ الشَّجَرِ (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَالَ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوَدِدْت» أَيْ تَمَنَّيْت «أَنِّي كُنْت شَجَرَةً تُعْضَدُ» أَيْ تُقْطَعُ فَيُوقَدُ بِهَا كَذَا قِيلَ لَكِنْ الظَّاهِرُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ ضَمِيرٌ لِأَبِي ذَرٍّ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى كَالثَّانِيَةِ لِأَبِي ذَرٍّ أَدْرَجَهُ بِكَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>