أَيْ مَعْدُومًا لَا يَرَى الْقِيَامَةَ وَالْحِسَابَ كَالْحَيَوَانَاتِ (لَخَشِيت أَنْ أَمُوتَ مِنْ الْفَرَحِ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ) مِنْ الْوُصُولِ (إلَى النَّارِ) لِأَنَّ الْفَرَحَ الْغَالِبَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا قَالَ لَخَشِيت إلَخْ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى النَّارِ فَيُحْشَرُ فِي الْقِيَامَةِ فَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ لَخَشِيت أَنْ أَمُوتَ مِنْ الْفَرَحِ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَى النَّارِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومَ الْوُجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقُولُ هَذَا مِثْلُهُ تَصْوِيرٌ لِرُتْبَةِ خَوْفِ اللَّهِ وَتَنْظِيرٌ لِشِدَّةِ هَوْلِ الْقِيَامَةِ وَتَهْوِيلُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْعُصَاةِ وَإِلَّا فَالْوُجُودُ مِنْ أَشْرَفِ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَطَلَبَ شُكْرَهَا مِنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ الْكُفْرَانُ أَيْضًا
(وَعَنْ السَّرِيِّ) السَّقَطِيِّ خَالِ الْجُنَيْدِ وَأُسْتَاذِهِ وَتِلْمِيذِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ أَوْحَدِ زَمَانِهِ فِي الْوَرَعِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ رَوَى أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي السُّوقِ فَجَاءَ مَعْرُوفٌ يَوْمًا وَمَعَهُ صَبِيٌّ يَتِيمٌ فَقَالَ اُكْسُ هَذَا الْيَتِيمَ فَكَسَاهُ فَفَرِحَ بِهِ وَقَالَ بَغَّضَ اللَّهُ إلَيْك الدُّنْيَا وَأَرَاحَك مِمَّا كُنْت فِيهِ فَقَامَ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَنُقِلَ عَنْهُ: كُلُّ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ بَرَكَاتِ مَعْرُوفٍ وَيُحْكَى عَنْهُ أَنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِي الْحَمْدُ لِلَّهِ مَرَّةً قِيلَ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ وَقَعَ بِبَغْدَادَ حَرِيقٌ فَاسْتَقْبَلَنِي وَاحِدٌ فَقَالَ لَمْ يُحْرَقْ حَانُوتُك فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَمُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنَا نَادِمٌ عَلَى مَا قُلْت حَيْثُ أَرَدْت لِنَفْسِي خَيْرًا مِمَّا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ وَعَنْ الْجُنَيْدِ يَقُولُ سَمِعْت السَّرِيَّ يَقُولُ أُعَرِّفُك طَرِيقًا مُخْتَصَرًا قَصْدًا إلَى الْجَنَّةِ فَقُلْت لَهُ مَا هُوَ فَقَالَ أَنْ لَا تَسْأَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَلَا تَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَلَا يَكُونَ مَعَك شَيْءٌ تُعْطِي أَحَدًا وَعَنْ الْجُنَيْدِ يَقُولُ دَخَلْت يَوْمًا عَلَى السَّرِيِّ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْت مَا يُبْكِيك فَقَالَ جَاءَتْنِي الْبَارِحَةَ الصِّبْيَةُ فَقَالَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ حَارَّةٌ فَخُذْ الْكُوزَ فَعَلِّقْهُ هَاهُنَا ثُمَّ إنِّي غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت جَارِيَةً مِنْ أَحْسَنِ الْخَلْقِ قَدْ نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاءِ فَقُلْت لِمَنْ أَنْتِ فَقَالَتْ لِمَنْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ الْمُبَرَّدَ فِي الْكِيزَانِ فَتَنَاوَلْت الْكُوزَ فَضَرَبْت بِهِ الْأَرْضَ (أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَنْظُرُ فِي أَنْفِي فِي الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا) قِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ (مَرَّةً) تَمْيِيزٌ لِكَذَا وَكَذَا لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي الْفِقْهِ (مَخَافَةَ أَنْ تَسْوَدَّ صُورَتِي لِمَا أَتَعَاطَاهُ) مِنْ الْفُرُطَاتِ وَالتَّقْصِيرَاتِ
(وَعَنْهُ) أَيْ السَّرِيِّ (أَنَّهُ قَالَ أَشْتَهِي) أُحِبُّ (أَنْ أَمُوتَ بِبَلْدَةٍ غَيْرِ بَغْدَادَ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَقْبَلَنِي قَبْرِي) فَيَلْفِظَنِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (فَأَفْتَضِحَ) بَيْنَ الْأَحْبَابِ وَالْأَبَاعِدِ الْكُلُّ مَتْنًا وَشَرْحًا مِنْ الْقُشَيْرِيَّةِ هَذَا خَوْفُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَمَّا خَوْفُ غَيْرِهِمْ فَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى جَبْرَائِيلَ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَصْرُخُ إلَهِي لَا تُغَيِّرْ اسْمِي وَلَا تُبَدِّلْ جِسْمِي وَإِنَّ إبْلِيسَ بَعْدَ عِبَادَتِهِ ثَمَانِينَ أَلْفَ سَنَةٍ آلَى أَنْ لَا يَتْرُكَ مَوْضِعَ قَدَمٍ إلَّا وَقَدْ سَجَدَ فَتَرَكَ أَمْرًا وَاحِدًا فَلَعَنَهُ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا أَلِيمًا أَبَدَ الْآبِدِينَ وَأَنَّ آدَمَ صَفِيَّ اللَّهَ وَنَبِيَّهُ بَعْدَ خَلْقِهِ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ وَحَمَلَهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ إلَى جِوَارِهِ ثُمَّ بِأَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ فَأَوْقَعَهُ بِالْأَرْضِ وَبَكَى إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَتَبِعَتْهُ ذُرِّيَّتُهُ فِيهَا إلَى الْأَبَدِ وَأَنَّ نُوحًا مَعَ كَوْنِهِ شَيْخَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِي احْتَمَلَ فِي أَمْرِ دِينِهِ مَا احْتَمَلَ فَبِقَوْلِهِ كَلِمَةً وَاحِدَةً نُودِيَ - {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: ٤٦]- حَتَّى قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَيَاءً مِنْ اللَّهِ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إلَّا هَفْوَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَمْ خَافَ وَتَضَرَّعَ إلَى أَنْ قَالَ - {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} [الشعراء: ٨٢]- حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ بَكَى مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ إلَى أَنْ أَرْسَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute