تَعَالَى جَبْرَائِيلَ يَقُولُ يَا إبْرَاهِيمُ هَلْ رَأَيْت خَلِيلًا يُعَذِّبُ خَلِيلَهُ بِالنَّارِ فَقَالَ يَا جَبْرَائِيلُ إذَا ذَكَرْتُ خَطِيئَتِي نَسِيت خُلَّتَهُ وَأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إلَّا لَطْمَةٌ عَلَى خَدِّهِ كَمْ خَافَ وَتَضَرَّعَ وَقَالَ {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: ١٦] وَفِي زَمَانِهِ بَلْعَمُ بْنُ بَاعُورَا كَانَ لَهُ قُوَّةُ رُؤْيَةِ الْعَرْشِ وَيُوضَعُ فِي مَجْلِسِهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَحْبَرَةٍ لِلْمُتَعَلِّمِينَ فَمَيْلُهُ إلَى الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا مَيْلَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهُ لِوَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ سَلَبَ اللَّهُ مَعْرِفَتَهُ وَأَوْقَعَهُ فِي بَحْرِ الضَّلَالَةِ أَبَدَ الْآبِدِينَ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ سُخْطِهِ وَقَطِيعَةِ خِذْلَانِهِ الَّذِي لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ فَانْظُرْ حُبَّ الدُّنْيَا وَشُؤْمَهَا مَاذَا يَجْلِبُ لِلْعُلَمَاءِ خَاصَّةً فَتَنَبَّهْ فَالْأَمْرُ خَطِيرٌ وَالْعُمْرُ قَصِيرٌ وَفِي الْعَمَلِ تَقْصِيرٌ وَالنَّاقِدُ بَصِيرٌ وَأَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذْنَبَ ذَنْبًا وَاحِدًا فَبَكَى إلَى أَنْ نَبَتَ الْعُشْبُ فِي الْأَرْضِ مِنْ دُمُوعِهِ وَقَالَ: أَمَا تَرْحَمُ بُكَائِي وَتَضَرُّعِي فَأُجِيبَ يَا دَاوُد نَسِيت ذَنْبَك وَذَكَرْت بُكَاءَك وَلَمْ يَقْبَلْ تَوْبَتَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً
وَأَنَّ يُونُسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِغَضَبٍ وَاحِدٍ سَجَنَهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسَبَّحَ وَشَفَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم: ٤٩]- وَأَنَّ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَوْله تَعَالَى - {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ - الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: ٢ - ٣] وَ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢]- «كَانَ يُصَلِّي كُلَّ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَيَقُولُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» .
«وَكَانَ يَقُولُ لَوْ أَنِّي وَعِيسَى أُخِذْنَا بِمَا كَسَبْت هَاتَانِ لَعُذِّبْنَا عَذَابًا لَمْ يُعَذِّبْهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ» .
«وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ وَيَقُولُ أَعُوذُ بِعَفْوِك مِنْ عِقَابِك وَبِرِضَاك مِنْ سَخَطِك» .
الْكُلُّ مِنْ مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ وَالتَّأْوِيلِ لِمَا ذُكِرَ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَافْهَمْ.
ثُمَّ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ نُصْحَ الْإِخْوَانِ اسْتِشْفَاقًا بِهِمْ فَقَالَ (فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَانُ) الْفَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ إذْ مَا ذُكِرَ مِنْ خَوْفِ الْمُقَرَّبِينَ عِلَّةٌ لِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَعَبَّرَ بِالْإِخْوَانِ إذْ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ يُوجِبُ الشَّفَقَةَ فَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ تَرْغِيبًا لِمَا يَنْفَعُهُمْ وَتَرْهِيبًا مِمَّا يَضُرُّهُمْ (ذَوُو الْإِجْرَامِ) جَمْعُ جُرْمٍ قِيلَ أَيْ أَصْحَابُ الْمَعَاصِي الْعَظِيمَةِ وَالْأَوْزَارِ الْفَخِيمَةِ (اُنْظُرُوا إلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ الْكِرَامِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْعِظَامِ بَلْ الْأَنْبِيَاءِ الْفِخَامِ (وَالْمَشَايِخِ الْبَرَرَةِ) جَمْعُ بَرٍّ (الْخِيرَةِ) بِمَعْنَى الْخِيَارِ (الْعِظَامِ) أَشْكَلَ بِأَنَّهُ جَمْعُ عَظْمٍ وَجَمْعُ عَظِيمٍ إنَّمَا هُوَ عُظَمَاءُ (كَيْفَ خَافُوا) أَيْ كَيْفِيَّةُ خَوْفِهِمْ مِنْ الْقُوَّةِ (مَخَافَةً لَيْسَ فِينَا عُشْرُ عُشْرِهَا) مَعَ مَا كَانَ فِينَا مِنْ التَّقْصِيرَاتِ وَالزَّلَّاتِ وَالْمُيُولَاتِ الْفَاسِدَةِ وَتَبَعِيَّةِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ الْكَاسِدَةِ وَارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِصْرَارِ الصَّغَائِرِ دَائِمًا مَعَ عَدَمِ إتْيَانِ طَاعَتِهِ بِشَرَائِطِهَا وَعَدَمِ أَدَاءِ عِبَادَتِهِ بِكَمَالِهَا وَهُمْ مُتَجَرِّدُونَ عَنْ عَوَائِقِ أَنْفُسِهِمْ وَمُتَبَحِّرُونَ فِي اسْتِغْرَاقِ قُدْسِهِمْ صَارِفُونَ دَقَائِقَ أَوْقَاتِهِمْ إلَى رِضَا رَبِّهِمْ وَبَاذِلُونَ جُهْدَهُمْ إلَى تَبَعِيَّةِ نَبِيِّهِمْ (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا) بِالْمُخَالَفَةِ (مِنْهُمْ بِمَرَاتِبَ) كَثِيرَةٍ (لَا تُحْصَى وَلَا سَبَبَ لِهَذَا) الْأَمْنِ مِنَّا وَالْخَوْفِ مِنْهُمْ (إلَّا أَنَّ قُلُوبَنَا غَافِلَةٌ) عَنْ اللَّهِ لَاهِيَةٌ بِزَخَارِفِ الدُّنْيَا عَنْ مُطَالَعَةِ اللَّاهُوتِ وَالْجَبَرُوتِ (قَاسِيَةٌ) غَلِيظَةٌ لَا تَتَّعِظُ بِالْمَوَاعِظِ (وَقُلُوبُهُمْ ذَاكِرَةٌ) لَهُ تَعَالَى بِحَيْثُ لَا تَغِيبُ لَحْظَةً (زَاكِيَةٌ) طَيِّبَةٌ طَاهِرَةٌ عَنْ الْأَوْسَاخِ وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مُلْهٍ عَنْ اللَّهِ فَهُوَ نَجِسٌ (صَافِيَةٌ) مِنْ أَكْدَارِ الشَّوَاغِلِ وَالْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ (فَمَا بَقِيَ فِينَا) عَلَى حَسْبِ عَادَتِهِ تَعَالَى (سَبَبُ رَجَاءِ) رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَخَلَاصِ قَهْرِهِ (إلَّا أَنَّ كُلَّنَا اشْتَاقَ) لَعَلَّ الْأَوْلَى نَشْتَاقُ (إلَيْهِمْ وَأَحَبَّ) فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ مُوجِبَةٌ لِلْوَصْلَةِ كَمَا قَالَ
(وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا مَرَّ «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» فَعَلَى قَدْرِ الْمَحَبَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ قَدْرُ الْمَعِيَّةِ الْأُخْرَوِيَّةِ لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute