أَيْضًا ثُمَّ تَضَرَّعَ الْمُصَنِّفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهَمُّ (فَيَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ) الْغَوْثُ الْمَدَدُ (وَيَا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: ٦٢] وَقَالَ - {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦] وَقَالَ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]- (وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قَالَ ثَلَاثًا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ نَادَاهُ مُنَادِيَانِ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَقْبَلَ عَلَيْك فَسَلْ مَا شِئْت» (وَيَا غَافِرَ الْمُذْنِبِينَ بِحُرْمَةِ حَبِيبِك الْمُصْطَفَى وَنَبِيِّك الْمُجْتَبَى) الْمُخْتَارِ مِنْ بَيْنَ الْخَلْقِ (عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَزْكَاهَا) أَنْمَاهَا وَأَزْيَدُهَا (وَمِنْ التَّحِيَّاتِ) التَّعْظِيمَاتِ (أَوْفَاهَا) أَكْمَلُهَا وَأَعْلَاهَا (وَجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجْمَعِينَ وَ) بِحُرْمَةِ (أَصْحَابِ حَبِيبِك) الْإِضَافَةُ لِلتَّعْظِيمِ وَالِاشْتِشْفَاقِ (هُمْ السَّابِقُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ السَّابِقِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: ١٠] {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: ١١] (رَضِيتَ) يَا رَبَّنَا (عَنْهُمْ وَهُمْ عَنْك رَاضُونَ) وَقُلْت فِي شَأْنِهِمْ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: ١٨] الْآيَةَ وَقُلْت {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٨] (وَ) بِحُرْمَةِ (التَّابِعِينَ لَهُمْ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ (بِإِحْسَانٍ عَلَيْهِمْ) أَيْ التَّابِعِينَ (الرَّحْمَةُ وَالْغُفْرَانُ) كَأَنَّهُ بَدَلُ دُعَاءِ الصَّحَابَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ رَضِيت وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالُوا يَنْبَغِي التَّرْضِيَةُ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمُ لِسَائِرِ الْمَشَايِخِ (ارْحَمْنَا فَإِنَّا مُجْرِمُونَ وَبِالْآثَامِ وَالْخَطَايَا مُعْتَرِفُونَ) .
قَالَ فِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ عِنْدَ تَعْدَادِ آدَابِ الدُّعَاءِ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْعِظَامِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَيَتَوَسَّلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْبِيَائِهِ وَالصَّالِحِينَ وَيَعْتَرِفَ بِالذَّنْبِ وَلَا يَخُصَّ نَفْسَهُ إنْ إمَامًا وَيَسْأَلَ بِعَزْمٍ وَرَغْبَةٍ وَجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ بِحُسْنِ رَجَاءٍ وَيُكَرِّرَ الدُّعَاءَ وَيُلِحَّ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُرَاعَاةً لِمَا ذُكِرَ (وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْفَيْضِ عَنْ الشَّعْرَانِيِّ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ فِي ذَنْبٍ وَاحِدٍ طُولَ عُمْرِهِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الرِّضَا وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُ الْعَفْوَ فَإِذَا حَصَلَ حَصَلَ الرِّضَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْكُمَّلِ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ انْتَهَى فَلَعَلَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بَلْ الْأَحْوَالِ وَلِذَا قَالُوا الْأَوْلَى لِلْعَوَامِّ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْخَوَاصِّ الدُّعَاءُ بِإِلْحَاقِ الرُّفَقَاءِ الْعَلِيَّةَ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةَ وَلِذَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْفَوْزَ بِالْقَضَاءِ وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ» .
وَقَدْ قِيلَ مِنْ دُعَاءِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اللَّهُمَّ اجْعَلْ دَرَجَاتِنَا فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَاحْشُرْنَا مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَفِي الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ «وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا» قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلَعَمْرِي إنَّهُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) أَيْ الصَّالِحِينَ - وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ (إنَّك أَنْتَ الرَّحِيمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُخَصُّ بِالْآخِرَةِ وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ أَنْ يَصِفَهُ تَعَالَى بِمَا يُنَاسَبُ دُعَاءَهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَأَوْصَافِهِ وَلِذَا قَالَ أَيْضًا (الْغَفَّارُ وَلِعُيُوبِ عِبَادِك) فِي الْإِضَافَةِ اسْتِعْطَافٌ وَاسْتِرْحَامٌ (الْمُذْنِبِينَ سَتَّارُ) لَعَلَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ فَافْهَمْ (آمِينَ آمِينَ) تَكْرِيرٌ لِرِعَايَةِ نَدْبِيَّةِ الْإِلْحَاحِ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا وَقِيلَ وَقِيلَ (يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ) قِيلَ هُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute