للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وَالْمُرَادُ بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّمْثِيلِ لِيُفْهَمَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِسْطَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ لِأَهْلِ الدَّارَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّالِكَ الْعَارِفَ لَا يَغْتَرُّ بِظَاهِرِ مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ بَلْ لَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} [الكهف: ١١٠]- ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْآخَرِ لِأَنَّ الرَّجَاءَ بِلَا خَوْفٍ أَمْنٌ وَالْخَوْفَ بِلَا رَجَاءٍ قُنُوطٌ قَالُوا هُمَا كَزَوِّجِي الْمِقْرَاضِ وَجَنَاحَيِّ الطَّيْرِ إذَا اعْتَدَلَا طَارَ وَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمَا يَطِيرُ تَامًّا وَإِذَا ذَهَبَا بِالْكُلِّيَّةِ صَارَ كَالْمَيِّتِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَرْجُوهَا وَإِنَّمَا يَنْجُو مِنْ النَّارِ مَنْ يَخَافُهَا» (م. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِالشَّهَادَةِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ اُسْتُشْهِدَ فِي نَاحِيَةِ إسْلَامْبُولَ فِي مَعْرَكَةٍ حِينَ جَاءَ مَعَ يَزِيدَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ مَبْطُونًا فِي ذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ (أَنَّهُ قَالَ كُنْت كَتَمْت عَنْكُمْ حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ) أَيْ أُخْبِركُمُوهُ وَأَصْلُ سَوْفَ لِاسْتِقْبَالِ الْبَعِيدِ وَالْوَقْتُ هُنَا ضَيِّقٌ فَلِتَحْقِيقِ الْوَعْدِ كَمَا قِيلَ لَعَلَّ وَجْهَ الْكَتْمِ وَهْمُ اغْتِرَارِ الْعَوَامّ بِظَاهِرِهِ فَيَضْعُفُوا فِي الْعَمَلِ وَوَجْهَ الْإِخْبَارِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ أَوْ لِأَنَّ هَذَا الْوَهْمَ قَدْ زَالَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ هُمْ الْخَوَاصُّ أَوْ قَدْ خَرَجَ مِنْ خَاطِرِهِ فَخَطَرَ بِبَالِهِ عِنْدَ دَوَاعِي هَوْلِ الْمَوْتِ بِمُلَاحَظَةِ دَوَاعِي الرَّحْمَةِ (وَقَدْ أُحْبِطَ بِنَفْسِي) بِمَجِيءِ الْمَوْتِ (سَمِعْته يَقُولُ «لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ» أَيْ أَذَهَبَكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>