للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوَابُ مَا اعْتَادَهُ (فِي الصِّحَّةِ بَلْ يَزِيدُ ثَوَابُهُ إنْ صَبَرَ) وَلَمْ يُظْهِرْ الْجَزَعَ وَالشِّكَايَةَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا» قَالَ فِي شَرْحِهِ حَمَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى النَّفْلِ فَقَطْ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْفَرْضَ قَاعِدًا كَالْفَرْضِ قَائِمًا فِي الْأَجْرِ وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ تُثَابَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَرُدَّ بِالْفَرْقِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَبِالنِّيَّةِ وَعَدَمِهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ اُكْتُبُوا لِعَبْدِي مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا» وَجَاءَ مَرْفُوعًا «خُذْ مِنْ صِحَّتِك لِمَرَضِك وَمِنْ حَيَاتِك لِمَوْتِك» وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «مَا مِنْ امْرِئٍ يَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِاللَّيْلِ فَيَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً» (لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْأَصِحَّاءَ يَتَمَنَّوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ كَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (يُقْرَضُ) أَيْ تُقَطَّعُ (أَبْدَانُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ لَمَّا رَأَوْا مِنْ كَثْرَةِ ثَوَابِ الْمَرِيضِ) فِي الشِّرْعَةِ فِي الْحَدِيثِ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا ابْتَلَاهُ حَتَّى يَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ»

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ» وَفِي شَرْحِهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ هُوَ «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جِيءَ بِأَهْلِ الْأَعْمَالِ فَوُفُّوا أَعْمَالَهُمْ بِالْمِيزَانِ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ الْمِيزَانُ وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ الدِّيوَانُ يُصَبُّ عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ صَبًّا فَيَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا لَوْ أَنَّهُمْ كَانَتْ تُقْرَضُ أَجْسَامُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ لِمَا يَرَوْنَ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنْ الثَّوَابِ» (فَعَلَيْك الْعَزْمُ عَلَى الصَّبْرِ) عَلَى الْمَرَضِ (إنْ وَقَعَ) حَتَّى تَنَالَ الْأَجْرَ وَقَدْ قَالَ - {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]- {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨] وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (وَإِنْ خِفْت مِنْ نَفْسِك عَدَمَ الصَّبْرِ) عَلَى مِحْنَةِ الْمَرَضِ (فَعَلَيْك أَنْ تَسْأَلَ الْعَافِيَةَ) وَقَدْ عَرَفْت بَعْضَ تَفَاصِيلِ مَعْنَى الْعَافِيَةِ وَفُسِّرَ هُنَا بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْمِحَنِ وَالْبَلَايَا وَفِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ» .

وَعَنْهُ أَيْضًا «مَا سَأَلَ الْعِبَادُ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ وَيُعَافِيَهُمْ» .

وَعَنْ الْبَزَّارِ «وَمَرَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْمٍ مُبْتَلِينَ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ يَسْأَلُونَ الْعَافِيَةَ»

وَعَنْ الْبَزَّارِ أَيْضًا «وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو اللَّهَ بِهِ فَقَالَ سَلْ رَبَّك الْعَافِيَةَ قَالَ فَمَكَثْت أَيَّامًا ثُمَّ جِئْت فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ يَا عَمِّ سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» .

وَعَنْ الطَّبَرَانِيِّ «وَكَانَ يَقُولُ يَا عَمِّ أَكْثِرْ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ» وَعَنْهُ أَيْضًا فَلِيَنْظُرْ الْعَاقِلُ مِقْدَارَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمِّهِ مِنْ دُونِ الْكَلِمِ وَلِيُؤْمِنْ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَتْ لَهُ الْحِكَمُ فَإِنَّ مَنْ أُعْطِيَ الْعَافِيَةَ فَازَ بِمَا يَرْجُوهُ قَلْبُهُ قَلْبًا وَقَالَبًا وَدُنْيَا وَدِينًا وَرَقَى مِمَّا يَخَافُهُ فِي الدَّارَيْنِ عِلْمًا يَقِينًا فَلَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ وَوَرَدَ عَنْهُ لَفْظًا وَمَعْنَى مِنْ خَمْسِينَ طَرِيقًا هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَهُوَ الْمَعْصُومُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَقِيقِيًّا فَكَيْفَ بِنَا وَنَحْنُ غَرَضٌ لِسِهَامِ الْقَدَرِ وَعَرَضٌ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَالشَّيْطَانِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» انْتَهَى مَا فِي الْحِصْنِ (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ تُدَاوِمَ عَلَى دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - د عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» فُسِّرَ هُنَا بِدِفَاعِ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ الْأَسْقَامَ وَالْآلَامَ وَالْمِحَنَ وَالْبَلَايَا وَشَدَائِدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>