(وَكَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا لَا يَفْهَمُونَ مُرَادَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ فَيَقَعُونَ فِي الضَّلَالِ وَالِاخْتِلَالِ (فَلِذَا وَرَدَ «كَلِّمُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى تَخْرِيجِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَعُوا مَا يُنْكِرُونَ أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» مِنْ التَّكْذِيبِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ السَّامِعَ حِينَئِذٍ يَعْتَقِدُ اسْتِحَالَتَهُ فَيُكَذِّبُ وَلَا يَذْكُرُ الْمُتَشَابِهَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَالَ أَنَا اللَّهُ عُزِّرَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ وَيَنْبَغِي لِلْمُدَرِّسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ تِلْمِيذِهِ وَلَا يُجِيبُهُ بِمَا لَا يَتَحَمَّلُ حَالُهُ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ دَقَائِقِ الْعُلُومِ فَإِنْ كَانَ لَهُ اسْتِعْدَادُ فَهْمِ الْجَوَابِ أَجَابَ وَإِلَّا رَدَّ وَمَنْ شَرَعَ فِي حَقَائِقِ الْعُلُومِ ثُمَّ لَمْ يَبْرَعْ فِيهَا تَوَلَّدَتْ لَهُ الشُّبَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ فَيَعْظُمُ ضَرَرُهُ وَمِنْ هَذَا قِيلَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ نِصْفِ فَقِيهٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ وَنِصْفُ الْفَقِيهِ يَهْدِمُ الدِّينَ (أَوْ) كَأَنْ (لَا يَحْتَاطَ فِي التَّأَمُّلِ وَالْمُطَالَعَةِ فَيُخْطِئَ فِي فَهْمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ أَوْ الْحَدِيثِ (وَمِنْ الْكِتَابِ فَيَذْكُرَ) مِنْ التَّذَكُّرِ (لِلنَّاسِ) مَا لَا يَعْرِفُ بِكُنْهِهِ فَيُضِلَّهُمْ وَيُوقِعَ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ الْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ فِي زَمَانِنَا (أَوْ يَذْكُرَ وَيُفْتِيَ قَوْلًا مَهْجُورًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يُفْتَى بِالْأَقْوَالِ الْمَهْجُورَةِ لِجَرِّ مَنْفَعَتِهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِالرَّأْيِ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَأَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالْمُتَشَابِهَ وَوُجُوهَ الْكَلَامِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ صَوَابُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَضْرَ بْنَ يَحْيَى عَنْ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى نَضْرِ بْنِ يَحْيَى فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَالْأَوَّلِ فَمَلَّ الرَّجُلُ وَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا هَلْ بَقِيَ فِيهِ لِأَحَدٍ إشْكَالٌ (أَوْ ضَعِيفًا أَوْ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ) قِيلَ كَأَنْ يَقُولَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِلَا وَزْنٍ وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ لِأَنَّهُ نَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْوَزْنِيَّةِ فِيهَا فَلَا يَخْرُجَانِ عَنْهَا أَبَدًا وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ فَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ النَّاسُ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي زَمَانِنَا قَطْعًا بَلْ الْعَمَلُ بِالرِّوَايَةِ الْغَيْرِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ وَهِيَ خُرُوجُهُمَا عَنْ الْوَزْنِيَّةِ بِتَعَامُلِ النَّاسِ إلَى الْعَدَدِيَّةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً رِوَايَةً قَوِيَّةً دِرَايَةً فَالْقَوْلُ بِهَا أَلْزَمُ فِرَارًا مِنْ الْفِتْنَةِ (بَلْ يُنْكِرُونَهُ أَوْ يَتْرُكُونَ بِسَبَبِهِ طَاعَةً أُخْرَى كَمَنْ يَقُولُ لِأَهْلِ الْقُرَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ أَنَّ الْمُفْرَدَ يَلْحَقُ بِالْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ بَلْ الْأَكْثَرُ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ (وَالْعَجَائِزِ وَالْإِمَاءِ) أَمَّا الْإِمَاءُ فَلِخِدْمَةِ مَوْلَاهُنَّ وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَلِانْتِفَاءِ قَابِلِيَّةِ التَّعَلُّمِ بِكِبَرِ السِّنِّ بَلْ بِوُصُولِهِنَّ إلَى سِنِّ الِانْحِطَاطِ وَكَذَا الشُّيُوخُ بِالْمُقَايَسَةِ وَخَصَّهَا لِلْكَثْرَةِ فِيهِنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشُّيُوخِ
(لَا تَجُوزُ) مَقُولٌ لِقَوْلِ (الصَّلَاةُ بِدُونِ التَّجْوِيدِ وَهُمْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّجْوِيدِ) لِلُكْنَةِ أَلْسِنَتِهِمْ (أَوْ لَا يَتَعَلَّمُونَهُ) لِمُجَرَّدِ التَّسَاهُلِ (فَيَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ رَأْسًا) لَعَلَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْقَوْلَ لِمِثْلِهِمْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ (وَهِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ بِدُونِ تَجْوِيدٍ (جَائِزَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) إذْ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ قُرْبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute