لَمْ يُدْهِشْهُمْ ذَلِكَ بَلْ بَقِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ مُتَّسِعَةً لِلتَّلَفُّتِ إلَى الْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ مُمَارَسَةِ الْأَعْمَالِ وَالْمُرَاقَبَةِ بِغَلَبَةِ الْحَيَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَيَثْبُتُ أَحَدُهُمْ فِيهِ وَيَفِرُّ مِنْ الْفَضِيحَةِ فِي الْقِيَامَةِ فَيَنْظُرُ قَبْلَ الْعَمَلِ إنْ لِلَّهِ فَيُمْضِيهِ أَوْ لِغَيْرِ اللَّهِ فَيَسْتَحْيِ مِنْ اللَّهِ فَيَكُفُّ عَنْهُ فَيَلُومُ نَفْسَهُ فِي رَغْبَتِهَا فِيهِ وَيَرُدُّهَا فَإِنَّهَا عَدُوَّةُ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا اللَّهُ بِعِصْمَتِهِ ثُمَّ مُرَاقَبَةُ الطَّاعَةِ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِكْمَالِ وَمُرَاعَاةُ الْآدَابِ وَحِرَاسَتُهَا مِنْ الْآفَاتِ وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّفَكُّرِ.
وَمُرَاقَبَةُ الْمُبَاحِ بِمُرَاعَاتِ الْآدِبِ ثُمَّ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ فِي النِّعْمَةِ وَبِالشُّكْرِ (ثُمَّ الْمُحَاسَبَةُ بَعْدَ الْعَمَلِ) هَلْ أَتَمَّ الْمَشْرُوطَ بِشَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ (أَوْ نَقَصَ) مِنْهُ اعْلَمْ أَنَّ تَفْصِيلَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَى مَا فِي الْمِفْتَاحِ كَالْمُرَاقَبَةِ أَنَّ التَّاجِرَ يَسْتَعِينُ بِشَرِيكِهِ فَيُشَارِطُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُرَاقِبُهُ ثَانِيًا ثُمَّ يُحَاسِبُهُ ثَالِثًا ثُمَّ يُعَاتِبُهُ رَابِعًا كَذَلِكَ الْعَقْلُ هُوَ التَّاجِرُ فِي مَتَاعِ الْآخِرَةِ وَشَرِيكُهُ النَّفْسُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحَاسِبَهَا لِأَنَّ كُلَّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِ الْعُمْرِ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ لَا عَرَضٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا كُنُوزٌ لَا تَتَنَاهَى أَبَدَ الْآبَادِ فَيَقُولُ لِلنَّفْسِ فِي صَبِيحَةِ كُلِّ يَوْمٍ مَالِي بِضَاعَةٌ إلَّا الْعُمْرَ فَمَهْمَا فَنِيَ فَقَدْ فَنِيَ رَأْسُ الْمَالِ وَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ التِّجَارَةِ وَهَذَا الْيَوْمُ الْجَدِيدُ قَدْ أَمْهَلَنِي اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَأَنْسَأَ فِي أَجَلِي وَلَوْ تَوَفَّانِي لَأَتَمَنَّى أَنْ أَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا وَأَعْمَلَ صَالِحًا وَإِيَّاكِ ثُمَّ إيَّاكِ أَنْ تُضَيِّعِي هَذَا الْيَوْمَ فَإِنَّ كُلَّ نَفْسٍ جَوْهَرَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لِنَفْسِهِ فِي أَوْقَاتِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ لَهَا وَصِيَّةً فِي أَعْضَائِهِ السَّبْعَةِ وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهَا فَإِنَّهَا رَعَايَا خَادِمَةٌ لَهَا فِي هَذِهِ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ صَارَتْ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ لِجَهَنَّمَ.
أَمَّا الْعَيْنُ فَيَحْفَظُهَا عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ عَنْ مُطْلَقِ الْفُضُولِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِصَرْفِهَا إلَى مَا خُلِقَتْ لَهُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ يُرَاقِبُ عِنْدَ الْعَمَلِ وَالْمُرَاقَبَةُ مِنْ مَبَادِئِ مَرْتَبَةِ الْإِحْسَانِ ثُمَّ رَأْسُ مَالِ السَّالِكِ فِي دِينِهِ الْفَرَائِضُ وَرِبْحُهُ النَّوَافِلُ وَخُسْرَانُهُ الْمَعَاصِي وَمَوْسِمُ التِّجَارَةِ جُمْلَةُ النَّهَارِ فَإِنْ وَقَعَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَشْكُرُ وَيَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا وَإِنْ فَوَّتَهَا يَقْضِي وَإِنْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً يَجْبُرُهَا بِالنَّوَافِلِ وَإِنْ صَدَرَتْ مَعْصِيَةٌ اشْتَغَلَ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَمُعَاتَبَتِهَا لِيَتَدَارَكَهَا ثُمَّ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَنْ خَوَاطِرِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ حَتَّى عَنْ سُكُوتِهِ لِمَ سَكَتَ مَثَلًا إذَا أَكَلَ لُقْمَةً بِشُبْهَةٍ يُعَاقِبُهَا بِالْجُوعِ وَإِذَا نَظَرَ إلَى مُحَرَّمٍ يُعَاقِبُ الْعَيْنَ بِمَنْعِ النَّظَرِ وَهَكَذَا وَهَكَذَا (ثُمَّ الْمُعَاتَبَةُ وَالْمُعَاقَبَةُ) إنْ نَقَصَ مِنْهُ (بِنَحْوِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالسَّهَرِ وَالنَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّاقَّةِ كَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ (حَتَّى لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا) .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَعْدَى عَدُوِّك نَفْسُك الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك وَقَدْ خُلِقَتْ أَمَّارَةً بِالسُّوءِ فَإِنْ أَهْمَلْت فِي مَنْعِهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا شَرَدَتْ وَجَمَحَتْ وَإِنْ عَاتَبْتهَا تَكُونُ لَوَّامَةً وَعَسَى أَنْ تَصِيرَ مُطْمَئِنَّةً فَلَا تَغْفُلْ عَنْ وَعْظِهَا سَاعَةً وَقُلْ لَهَا أَنْتِ تَدَّعِينَ الْحِكْمَةَ وَالْفَطِنَةَ وَأَنْتِ الْحَمْقَاءُ أَمَا تَعْرِفِينَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَأَنَّك صَائِرَةٌ إلَى إحْدَاهُمَا فَمَالَك تَشْتَغِلِينَ بِالْهَوَى وَاللَّهْوِ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنْ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ (فَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ تَبَعًا) أَيْ فِي ضِمْنِ آفَاتِ الْقَلْبِ (وَأَصَالَةً) كَمَا بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ (ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ) لَعَلَّهُ تَقْسِيمٌ اسْتِقْرَائِيٌّ بَلْ جَعْلِيٌّ (إيمَانُ اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ إخْلَاصٌ، إحْسَانٌ، تَوَاضُعٌ، ذِكْرٌ، مِنْهُ نَصِيحَةٌ، تَصَوُّفٌ، غَيْرَةٌ، غِبْطَةٌ، فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ سَخَاءٌ، إيثَارٌ، مُرُوءَةٌ، قُوَّةٌ، حِكْمَةٌ، شُكْرٌ، رِضًا صَبْرٌ، خَوْفٌ، مِنْ اللَّهِ حُزْنٌ لَهُ رَجَاءٌ، بُغْضٌ، فِي اللَّهِ حُبٌّ فِي اللَّهِ تَوَكُّلٌ، حُبٌّ، خُمُولٌ، اسْتِوَاءٌ، ذَمٌّ، وَمَدْحٌ، مُجَاهَدَةٌ، تَحْقِيقٌ، قِصَرُ أَمَلٍ ذِكْرُ مَوْتٍ تَفْوِيضٌ، تَسْلِيمٌ، تَمَلُّقٌ، فِي طَلَبِ الْعِلْمِ سَلَامَةٌ صَدْرٍ عَنْ حِقْدٍ شُجَاعَةٌ، حِلْمٌ، رِفْقٌ، أَمَانَةٌ، وَفَاءُ عَهْدٍ إنْجَازُ وَعْدٍ حُسْنُ ظَنٍّ زُهْدٌ، قَنَاعَةٌ، رُشْدٌ، سَعْيٌ، أَنَاةٌ، مُبَادَرَةٌ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ رِقَّةٌ، شَفَقَةٌ، حَيَاءٌ، صَلَابَةٌ، فِي أَمْرِ الدِّينِ أُنْسٌ بِاَللَّهِ شَوْقٌ إلَيْهِ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَارٌ، ذَكَاءٌ، عِفَّةٌ، اسْتِقَامَةٌ، أَدَبٌ، فِرَاسَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute