للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ بَلْ اللَّازِمُ التَّعْزِيرُ.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَكْفُرُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ بِلَا تَأْوِيلٍ كَفَرَ وَإِنْ بِتَأْوِيلٍ كُفْرَانَ نِعْمَةٍ لَا كَذَا فِي الْفَيْضِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا كَافِرُ وَلَمْ يَقُلْ الْمُخَاطَبُ شَيْئًا قَالَ الْفَقِيهُ الْأَعْمَشُ يَكْفُرُ وَأَبُو اللَّيْثِ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا يَكْفُرُ وَالْمُخْتَارُ إنْ أَرَادَ الشَّتْمَ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ اعْتَقَدَ كُفْرَهُ يَكْفُرُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ يَا كَافِرُ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ لَا يَكْفُرُ قَالَ يَا يَهُودِيُّ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَكْفُرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.

(وَمِنْهُ) أَيْ الْكَذِبِ (مَا فِي قِصَّةِ الرُّؤْيَا خ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ» بِضَمَّتَيْنِ: الرُّؤْيَا وَحَلَمَ بِالْفَتْحِ يَحْلُمُ بِالضَّمِّ حُلْمًا رَأَى الرُّؤْيَا وَتَحَلَّمَ إذَا ادَّعَى مَا لَمْ يَرَهُ «كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ» أَيْ عُذِّبَ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَفِي الشَّرْعِيَّةِ وَيَقُصُّ الرُّؤْيَا عَلَى وَجْهِهَا وَلَا يَكْذِبُ فِيهَا شَيْئًا وَفِي الْجَامِعِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ «وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا» بَدَلَ وَلَنْ يَفْعَلَ فَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ التَّعْذِيبِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ كَذَا فِي الْفَيْضِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ إنَّمَا تُتَوَهَّمُ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.

وَالْعَجَبُ مِمَّا قَالَهُ بَعْدَ هَذَا التَّأْوِيلِ حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا شَدَّدَ الْوَعِيدَ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي النَّوْمِ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَبَ عَلَيْهِ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ رُؤْيَا صَادِقَةً وَجُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الرُّؤْيَا إمَّا بِشَارَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِمَّا وَسْوَسَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَيَغْتَمُّ بِهَا وَإِمَّا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرُّؤْيَا إمَّا مُحْكَمٌ أَوْ مُتَشَابِهٌ أَوْ أَضْغَاثٌ وَالْأَضْغَاثُ مَا رَآهُ مَنْ فِي طَبْعِهِ فَسَادٌ وَمَنْ أَكَلَ أَطْعِمَةً غَلِيظَةً وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ.

وَأَمَّا الْمُحْكَمُ مَا أَرَاهُ مَلَكُ الرُّؤْيَا أَخَذَهُ مِنْ اللَّوْحِ وَهُوَ إمَّا تَيَسُّرٌ أَوْ تَحْذِيرٌ أَوْ إلْهَامٌ وَالتَّبْشِيرُ إمَّا بِشَارَةُ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ نَصِيحَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِتَسْجِيلِ حُجَّةٍ لِكَافِرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالتَّحْذِيرُ تَخْوِيفٌ لِمُسْلِمٍ لِقُرْبَانِهِ مَعْصِيَةً أَوْ تَرْكِهِ طَاعَةً وَالْإِلْهَامُ مَا يَدْعُو إلَى طَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ التَّهَجُّدِ وَالصَّدَقَةِ وَتَوْبَةٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ، وَالرُّؤْيَا الْغَيْرُ الصَّادِقَةِ إمَّا رُؤْيَا هِمَّةٍ وَهِيَ الَّتِي يَرَى مَا اهْتَمَّ بِهِ وَتَأَمَّلَهُ فِي يَقِظَةٍ وَإِمَّا رُؤْيَا عِلَّةٍ وَهِيَ رُؤْيَا الْمَرْضَى مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ وَإِمَّا أَضْغَاثٌ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا عَرَفْت فَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَمَا يَكُونُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ وَهُوَ أَقَلُّ أَقْسَامِ الرُّؤْيَا فَلَعَلَّ الْمُرَادَ إمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى اعْتِقَادِ الرَّائِي أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِنْسِ أَوْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ تَمَامَ الدَّلَالَةِ بَلْ يَكْفِي الْإِشْعَارُ فَافْهَمْ.

وَمِنْ غَرَائِبِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ مَا يُحْكَى فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَأَى كَأَنَّهُ يُنْبَشُ قَبْرُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُجْمَعُ عِظَامُهُ إلَى صَدْرِهِ فَهَالَتْهُ الرُّؤْيَا فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ هَذِهِ رُؤْيَا أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ اكْشِفْ عَنْ ظَهْرِك فَكَشَفَ فَرَأَى خَالًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَقَالَ أَنْتَ الَّذِي قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَالٌ يُحْيِي اللَّهُ تَعَالَى دِينِي عَلَى يَدَيْهِ» ثُمَّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا تَخَفْ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَأَنْتَ تَصِلُ إلَيْهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ لَكِنْ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَدْحِ أَبِي حَنِيفَةَ مَوْضُوعٌ نَعَمْ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ تَصْحِيحُ بَعْض طُرُقِ بَعْضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>