للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثِ مَدْحِهِ

. وَمِنْ لَطَائِفِ الْمَقَامِ مَا فِي الْفَيْضِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مُرْ أُمَّتِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنْ يُعِيدُوا بَعْدَهَا وَيَخْطُبُونَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ أَوْ يُنْدَبُ أَوْ يَجُوزُ أَوْ يَحْرُمُ فَأَجَابَ لَا يَجِبُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُنْدَبُ بَلْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ وَلَكِنْ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الرُّؤْيَا فَلَهُ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيرُ شَرْعٍ وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّائِي أَنْ يَقُولَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا بَلْ يَأْتِي بِمَا رَآهُ

وَسُئِلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ هَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَسَمَّى إبْلِيسُ بِاسْمِ النَّبِيِّ كَأَنْ يَقُولَ أَنَا النَّبِيُّ وَيَأْمُرَ بِالطَّاعَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ التَّشْكِيلُ بِهِ فَأَجَابَ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَقْلًا وَقَالَ إنَّ رُؤْيَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ إدْرَاكٌ لِذَاتِهِ وَبِغَيْرِ صِفَتِهِ إدْرَاكٌ لِمِثَالِهِ فَالْأُولَى لَا تَحْتَاجُ إلَى التَّغْيِيرِ وَالثَّانِيَةُ تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ بِصِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ لَا فَإِنْ رَآهُ بِصُورَةٍ حَسَنَةٍ فَذَلِكَ حُسْنُ دِينِ الرَّائِي وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ جَوَارِحِهِ شَيْنٌ أَوْ نَقْصٌ فَذَلِكَ خَلَلٌ فِي دِينِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَنَامِهِ مَا يُخَالِفُ شَرِيعَتَهُ فَخَلَلٌ فِي سَمْعِ الرَّائِي وَقَدْ سَبَقَ زِيَادَةُ تَفْصِيلِ الْمَقَامِ فِي الْبِدْعِيَّةِ.

«وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» لَا يُرِيدُونَ اسْتِمَاعَهُ جُمْلَةً وَهُمْ لَهُ حَالٌ أَوْ صِفَةُ قَوْمٍ وَالْوَاوُ لِتَأْكِيدِ لُصُوقِهَا بِالْمَوْصُوفِ كَمَا فِي سَبْعَةٍ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ( «صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ» بِفَتْحِ الْمَمْدُودَةِ وَضَمِّ النُّونِ الرَّصَاصُ أَوْ الْخَالِصُ مِنْهُ وَلَمْ يَجِئْ مُفْرَدُ هَذَا الْوَزْنِ غَيْرُهُ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَمْ يَكُنْ لَفْظُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ انْتَهَى الْحَدِيثُ بِمَا قَبْلَهُ وَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُ مَنْ اسْتَمَعَ ابْتِدَاءَ حَدِيثٍ وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ صُوَرِ ابْتِدَاءِ حَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ لَكِنَّ الْجَمِيعَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَمَوْضُوعُهُ فِيمَنْ يَسْتَمِعُ لِمَفْسَدَةٍ كَنَمِيمَةٍ وَأَمَّا لِقَصْدِ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ أَوْ الِاحْتِرَازِ عَنْ شَرِّهِمْ فَلَا بَلْ يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ انْتَهَى «وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً» ذَاتَ رُوحٍ «عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ» يَوْمَ الْقِيَامَةِ «وَ» هُوَ «لَيْسَ بِنَافِخٍ» كِنَايَةٌ عَنْ دَوَامِ تَعْذِيبِهِ قَالَ فِي الْفَيْضِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَازُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فِي الدُّنْيَا كَمَا جَازَ فِي الْآخِرَةِ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ أَمْرًا تَكْلِيفِيًّا بَلْ لِلتَّعْذِيبِ وَالتَّعْجِيزِ وَلِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعْلِهِ.

وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّصْوِيرَ كَبِيرَةٌ وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ أَغْلَظُ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّ وَعِيدَهُ يَنْقَطِعُ بِحَمْلِ قَوْله تَعَالَى - {خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ١٤]- عَلَى الْأَمَدِ الطَّوِيلِ وَهُنَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ كَانَ مُغَيَّا بِمَا لَا يُمْكِنُ مِنْ نَفْخِ الرُّوحِ وَلِذَا حَكَمَ الْمُعْتَزِلَةُ بِخُلُودِهِ فِي النَّارِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ حَمَلُوهُ عَلَى التَّصْوِيرِ بِنَحْوِ قَصْدِ أَنْ يُعْبَدَ أَوْ إنْ اسْتَحَلَّ وَأَوَّلُوا بِنَحْوِ زِيَادَةِ الرَّوْعِ وَالتَّهْوِيلِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِلُحُوقِ الْوَعِيدِ لِمَنْ تَشَبَّهَ بِالْخَالِقِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ حَقِيقَةً وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى خَلْقِ الْجَوَاهِرِ لَا الْأَفْعَالِ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمْ يَقُولُوا بِخَلْقِ الْجَوَاهِرِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَعِيدَ لَاحِقٌ بِالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَوْهَرٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَا كَانَ تَصْوِيرُ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ مُمْتَنِعًا وَمُنِعَ بِأَنَّ ذَا رُخِّصَ فِيهِ وَبِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ نَعَمْ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْآحَادِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا ذَاتَ حَيَاةٍ فَتُعَذِّبُهُ نَفْسُ الصُّورَةِ فِي جَهَنَّمَ» قَالَ فِي الْمَبَارِقِ وَأَمَّا تَصْوِيرُ مَا لَا رُوحَ لَهُ فَرُخِّصَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِتَصْوِيرِ ذِي الرُّوحِ إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ انْتَهَى إذْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ جَارِيَةٌ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ بَيْتًا فِيهِ صُورَةُ ذِي رُوحٍ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» يَعْنِي مَلَائِكَةَ الْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>