للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمِنْهُ خُلْفُ الْوَعْدِ إذَا كَانَ فِي نِيَّتِهِ الْخُلْفُ وَقَدْ مَرَّ) فِي الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي نِيَّتِهِ الْوَفَاءُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْجَازِهِ فَلَيْسَ بِكَذِبٍ وَقَدْ قِيلَ وَعْدُ الْكَرِيمِ دَيْنُ الْغَرِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ «الْعِدَةُ دَيْنٌ»

(وَمِنْهُ) أَيْ الْكَذِبِ (تَحْدِيثُ كُلِّ مَا سَمِعَ) قِيلَ أَيْ بِلَا نِسْبَةٍ إلَى قَائِلِهِ لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رَفْعِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ لَا السَّلْبِ الْكُلِّيِّ (م. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرَأِ إثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»

يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَذِبٌ سِوَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ لَكَفَاهُ مِنْ الذُّنُوبِ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ عَنْ حَالِ الرَّاوِي أَنَّهُ عَدَلَ أَمْ لَا وَعَنْ الْمَظْهَرِ هَذَا زَجْرٌ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ أَوْ مَظْنُونٍ عِنْدَهُ وَتَحْرِيضٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ بِمَا يُحَدِّثُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهُ يَسْمَعُ عَادَةً الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ لَا مَحَالَةَ يَكْذِبُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنَّ التَّعَمُّدَ شَرْطُ الْإِثْمِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ أَيْضًا «كَفَى بِالْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» قَالَ شَارِحُهُ وَفِيهِ زَجْرٌ عَنْ الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ

ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّف (وَالْجِدُّ) أَيْ الْعَمْدُ (وَالْهَزْلُ فِيهِ) أَيْ الْكَذِبِ وَيَشْمَلُ الْمِزَاحَ (سَوَاءٌ) فِي الْإِثْمِ لَكِنْ فِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذُكِرَ آنِفًا فَافْهَمْ

(وَيَجُوزُ الْكَذِبُ فِي ثَلَاثٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا) مِمَّا دَعَا إلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ مُعْتَدٍّ بِهَا لَمَّا أَثْبَتَ حُرْمَةَ الْكَذِبِ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُبَاحُ فِيهِ الْكَذِبُ إمَّا صَرِيحًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ دَلَالَةً وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَالْحَقُّ إلَخْ (ت. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجُلٍ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا» وَيُحْسِنُ الْمُعَاشَرَةَ وَعَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي لَعَلَّ مُرَادَهُ كَذِبُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا لِلْإِرْضَاءِ «وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي الْحَرْبِ» لِأَجْلِ الظَّفَرِ وَالْقَهْرِ «فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» فِي تَعْلِيلِهِ بِالْخُدْعَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا كَانَ لِلْكَذِبِ مَدَارٌ عَلَى الْخُدْعَةِ فِيهِ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ وَجْهِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِالثَّانِي أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَزِيدِ الْحِيلَةِ حِينَئِذٍ «وَرَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ» الظَّاهِرُ التَّثْنِيَةُ «لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا» أَيْ لِيُبْدِلَ فِرَاقَهُمَا وِفَاقًا وَشِقَاقَهُمَا اتِّفَاقًا فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْكَذِبِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِإِيلَافِ قُلُوبِهِمَا وَكَذَا بَيْنَ الضَّرَّاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنْ يُظْهِرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنَّهَا أَحَبُّ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ لَا تُطِيعُهُ إلَّا لِوَعْدِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَعِدُهَا فِي الْحَالِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا (وَزَادَ فِي رِوَايَةِ د. عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا»

كَذِبًا لِحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَا يُفْتَحُ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِئَلَّا تَتَعَوَّدَ النَّفْسُ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فِيهِ غُرُورٌ كَثِيرٌ إذْ قَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ حَظَّهُ وَغَرَضَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ أَهَمُّ فِي الشَّرْعِ مِنْ الصِّدْقِ أَوْ لَا وَذَلِكَ غَامِضٌ جِدًّا فَالْحَزْمُ فِي تَرْكِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ رُخْصَةً فِي تَرْكِهِ أَصْلًا وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَطَأُ مَنْ ظَنَّ جَوَازَ وَضْعِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ إذْ هَذَا الْغَرَضُ لَا يُقَاوِمُ مَحْذُورَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَا يُقَاوِمُهُ شَيْءٌ (وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ) بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>