للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالتَّعْرِيضِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّعْرِيضِ مَا فِي الشِّرْعَةِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرْسَلَ بِنْتَه إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ لِيَتَزَوَّجَهَا وَقَالَ لَهَا قُولِي لَهُ هَلْ رَضِيت الْحُلَّةَ وَأَرَادَ بِهِ الزَّوْجَةَ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧]- فَقَالَ عُمَرُ رَضِيتهَا وَرِضَا الْحُلَّةِ كِنَايَةٌ عَنْ رِضَا الزَّوْجَةِ (وَمِنْ التَّعْرِيضِ تَقْيِيدُ الْكَلَامِ بِلَعَلَّ وَعَسَى وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَخْرَجُ مِنْ الْكَذِبِ» أَيْ طَرِيقُ الْخُرُوجِ مِنْ الْكَذِبِ «أَرْبَعٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وَلَعَلَّ وَعَسَى» كَذَا فِي التتارخانية) لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ عَلَى هَذَا أَنْ يَضُمَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَى الْأَخِيرَيْنِ لَعَلَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيضِ إذْ التَّعْرِيضُ لَيْسَ بِجَائِزٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ فَافْهَمْ (وَمِنْ التَّعْرِيضِ أَنْ تَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا بِخَمْسَةٍ مَثَلًا وَقَدْ اشْتَرَيْته بِسِتَّةٍ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مَوْجُودٌ فِي الْكَثِيرِ فَلَا يَكُونُ كَذِبًا) بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْقَلِيلِ (وَقَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الْعَدَدِ كِنَايَةً عَنْ الْكَثْرَةِ فَلَا يُرَادُ بِهِ خُصُوصُهُ) أَيْ خُصُوصُ الْعَدَدِ بَلْ يُرَادُ الْمُبَالَغَةُ (كَمَا تَقُولُ دَعَوْتُك سَبْعِينَ مَرَّةً أَوْ مِائَةً أَوْ أَلْفًا فَلَا يَكُونُ كَذِبًا إذَا لَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ دَعْوَتِك إلَى أَحَدِ هَذِهِ وَلَكِنْ عُدَّتْ) تِلْكَ الدَّعْوَةُ (بَيْنَ النَّاسِ كَثِيرَةً) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مِرَارًا وَلَكِنْ لَمْ تُعَدَّ بَيْنَ النَّاسِ كَثِيرَةً كَانَ كَذِبًا وَأَمَّا الِاسْتِعَارَةُ فَقَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ هِيَ تُفَارِقُ الْكَذِبَ بِالْبِنَاءِ عَلَى التَّأْوِيلِ وَنَصْبِ الْقَرِينَةِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ

(وَضِدُّ الْكَذِبِ الصِّدْقُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ) فِي الْوَاقِعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِمُطَابِقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ لِمَنْ قَالَ بِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا (خ م. عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي» يُوَصِّلُ «إلَى الْبِرِّ» التَّوَسُّعِ فِي الْخَيْرِ وَقِيلَ: اسْمٌ لِجَمِيعِ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ: اكْتِسَابُ الْحَسَنَاتِ وَاجْتِنَابُ السَّيِّئَاتِ «وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ» فَهُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِهَا نَحْوُ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ» يُلَازِمُ الصِّدْقَ «حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا» مُبَالَغَةً فِي الصِّدْقِ أَيْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصِّدْقُ وَيُدَاوِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْمُبَالَغَةِ وَيَشْتَهِرَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى قَوْلًا وَفِعْلًا وَاعْتِقَادًا فَالْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>