الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ إظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى (وَ) إنْكَارُ (جِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِتَطْيِيبِ قَلْبِهِ) أَيْ قَلْبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرِينَ» أَيْ بِالْمَعَاصِي كَأَنْ يُحَدِّثَ بَعْضٌ بَعْضًا بِعِصْيَانِهِ وَجَعَلَ مِنْهُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمُبَاحِ «وَإِنَّ مِنْ الْجَهْرِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَقُولَ عَمِلْت الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَأَصْبَحَ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» .
(وَهَذَا) الْأَخِيرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (مِنْ الصُّلْحِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ بَلْ بِنَصِّ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَنُقِلَ عَنْ كِتَابِ الْبَرَكَةِ فِي الْحُرْمَةِ وَمِنْ الْكَذِبِ الْمُبَاحِ إخْفَاءُ مَالِهِ وَمَالِ أَخِيهِ عَنْ الْمَظَالِمِ وَإِنْكَارُهُ مَحَبَّةَ بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى وَتَزْيِينُ كَلَامِهِ لِأَخِيهِ عِنْدَ اعْتِذَارِهِ إلَيْهِ هَذَا ثُمَّ الْأَسْلَمُ أَنْ لَا يُفْتَحَ هَذَا الْبَابُ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِئَلَّا تَتَعَوَّدَ النَّفْسُ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فِيهِ غُرُورٌ كَثِيرٌ إذْ قَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ حَظَّهُ وَغَرَضَهُ فَلْيَعْلَمْ هَلْ الْمَقْصُودُ أَهَمُّ فِي الشَّرْعِ مِنْ الصِّدْقِ أَوْ لَا فَيَزِنُ أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ فَأَيُّهُمَا أَشَدُّ فَيُرَجِّحُهُ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَيَمِيلُ إلَى جَانِبِ الصِّدْقِ إذْ إبَاحَةُ الْكَذِبِ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِمُهِمَّةٍ (وَقِيلَ الْمُبَاحُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ التَّعْرِيضُ) .
قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ ثُمَّ السَّلَفُ قَالُوا «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَكَذَا عَنْ عُمَرَ هَذَا إذَا دَعَتْهُ حَاجَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ وَالتَّعْرِيضُ مَعًا وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَهْوَنُ كَقَوْلِك اللَّهُ يَعْلَمُ مَا قُلْت مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ وَكَلِمَةُ مَا عِنْدَك لِلْإِبْهَامِ وَيَتَوَهَّمُهُ الْمُسْتَمِعُ حَرْفُ النَّفْيِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ إذَا طَلَبَهُ مَنْ يَكْرَهُهُ قَالَ لِلْجَارِيَةِ قُولِي اُطْلُبْهُ فِي الْمَسْجِد وَكَانَ لَا يَقُول لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا هَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ تَفْهِيمٌ لِلْكَذِبِ إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْمَعَارِيضِ خَفِيفَةٌ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمِزَاحِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» .
وَأَمَّا صَرِيحُ الْكَذِبِ مُطَايَبَةً فَلَيْسَ بِفِسْقٍ وَلَكِنَّهُ يُتْرَكُ
(وَهُوَ) أَيْ التَّعْرِيضُ (الْخَامِسُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ إرَادَةُ غَيْرِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ الْكَلَامِ) كَالتَّوْرِيَةِ (وَلَا بُدَّ مِنْ احْتِمَالِهِ الْمُرَادَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ) كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ) كَأَنْ تَقُولَ لَا آكُلُ نَاوِيًا الْخُصُوصَ فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْعُمُومِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ يُعْرَفُ فِي الْفِقْهِيَّةِ (وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجَائِزٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إذْ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ مُعْتَبَرٌ (كَالصُّوَرِ السَّابِقَةِ) مِنْ الْكَذِبِ (عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً) أَيْ سَعَةً وَخَلَاصًا مِنْ الْكَذِبِ (وَيُكْرَهُ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا الْكَذِبُ) الصَّرِيحُ (فَحَرَامٌ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ) مُطْلَقًا عِنْدَ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute