«فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْجَزَ فُلَانًا أَوْ قَالُوا مَا أَضْعَفَ فُلَانًا» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي يَعْنِي تَعَجَّبُوا مِنْ ذَهَابِهِ وَضَعْفِهِ فِي دِينِهِ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ وَأَكَلْتُمْ لَحْمَهُ» .
فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ غِيبَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ غَرَضِهِمْ هُوَ الْغَيْرَةُ وَالزَّجْرُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ صُحْبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْنَا لَعَلَّ لَهُ ضَرُورَةً دَاعِيَةً يَعْرِفُهَا النَّبِيُّ دُونَهُمْ (دُنْيَا. عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ «قُلْت لِامْرَأَةٍ مَرَّتْ وَأَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ هَذِهِ لَطَوِيلَةٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِظِي الْفِظِي» ارْمِي مَا فِي فِيك وَجْهُ التَّأْكِيدِ أَنَّهُ كَانَ فِي اعْتِقَادِهَا لَيْسَ فِي فِيهَا شَيْءٌ فَفِيهِ إمَارَةُ إنْكَارٍ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمٍ نَاشِئٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ لِلشَّفَقَةِ كَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي إخْرَاجِ مَا فِي فِيهَا مِنْ الْخَبَثِ «فَلَفَظَتْ بِضْعَةً» قِطْعَةً «مِنْ لَحْمٍ»
فَأَمَّا أَنَّهُ تَعَالَى يَقْدِرُ عَلَى تَبْدِيلِ الْأَعْرَاضِ جَوَاهِرَ كَمَا فِي ذَبْحِ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ كَبْشٍ وَامْتِنَاعُ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ مُخْتَصٌّ فِيمَا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ أَوْ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ لَحْمَ الْمُغْتَابِ بِقَرِينَةِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَيَنْقُلُهُ تَعَالَى مِنْهُ إلَيْهِ وَيَخْلُقُ غَيْرَهُ بَدَلَهُ بِلَا شُعُورِهِ وَعِرْفَانِهِ فَبَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِمُجَرَّدِ ذَاتِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى ثُمَّ إنَّ وَجْهَ كَوْنِهِ غِيبَةً كَرَاهَتُهَا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ وَاقِعًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي «الْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ لَوْ بَلَغَهُ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ سُكُونِهِ أَوْ حَرَكَتِهِ أَوْ طَلَاقَتِهِ أَوْ عَبُوسَتِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ رَمْزٍ أَوْ كِنَايَةٍ أَوْ مُحَاكَاةٍ بَلْ أَوْ بِقَلْبٍ وَمِنْهُ مَا فِي التَّصَانِيفِ نَحْوُ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ لِلصَّلَاحِ «قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ» (د. عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَمَّا عُرِجَ بِي رَبِّي مَرَرْت بِقَوْمِ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ) يَجْرَحُونَ وَيَخْدِشُونَ وَيَضْرِبُونَ (بِهَا وُجُوهَهُمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيلُ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ»
بِمَا يَغْتَابُونَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الطِّيبِيِّ لَمَّا كَانَ خَمْشُ الْوَجْهِ وَالصَّدْرِ مِنْ صِفَاتِ النِّسَاءِ النَّائِحَات جَعَلَهُمَا جَزَاءَ مَنْ يَغْتَابُ إشْعَارًا بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ صِفَاتِ الرِّجَالِ بَلْ هُمَا مِنْ صِفَاتِ النِّسَاءِ فِي أَقْبَحِ حَالَةٍ وَأَسْوَإِ صُورَةٍ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ يُحْشَرُ الْمُمَزِّقُ لِأَعْرَاضِ النَّاسِ كَلْبًا ضَارِيًا وَالشَّرِهُ لِأَمْوَالِهِمْ ذِئْبًا وَالْمُتَكَبِّرُ نَمِرًا وَطَالِبُ الرِّيَاسَةِ أَسَدًا لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي هَذَا الْعَالَمِ غَالِبَةٌ عَلَى الْمَعَانِي وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى الْغِيبَةِ (د ت. عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ حَسْبُك مِنْ صَفِيَّةَ» بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أَيْ كَافِيك مِنْ عَيْبِهَا « (قِصَرُهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ قُلْت كَلِمَةً لَوْ مُزِجَ بِهَا الْبَحْرُ لَمَزَجَتْهُ) »
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute