للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَزْجُ التَّغْيِيرُ وَقِيلَ أَيْ غَلَبَتْهُ فِي الْمَزْجِ لِعِظَمِهَا فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الزَّوَاجِرِ عَنْ الْغِيبَةِ وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْأَحَادِيثِ يَبْلُغُ فِي الذَّمِّ بِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣]- الْآيَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّشْدِيدُ مُخْتَصًّا بِهَا إمَّا لِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ مَنْصِبِ عَائِشَةَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الْغِيبَةِ عَلَى صَفِيَّةَ لِكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لِمَجْمُوعِهَا وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ وَأَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ مَاتَ تَائِبًا مِنْ الْغِيبَةِ فَهُوَ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَقَالَ عَوْفٌ دَخَلْت عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَتَنَاوَلْت بِالِاغْتِيَابِ مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إنَّ اللَّهَ حَكَمٌ عَدْلٌ وَكَمَا يَأْخُذُ مِنْ الْحَجَّاجِ يَأْخُذُ لِلْحَجَّاجِ وَإِنَّك إذَا لَقِيت اللَّهَ غَدًا كَانَ أَصْغَرُ ذَنْبٍ أَصَبْته أَشَدَّ عَلَيْك مِنْ أَعْظَمِ ذَنْبٍ أَصَابَهُ الْحَجَّاجُ وَقِيلَ دُعِيَ ابْنُ أَدْهَمَ إلَى دَعْوَةٍ فَحَضَرَ فَذَكَرُوا رَجُلًا لَمْ يَأْتِهِمْ وَقَالُوا إنَّهُ ثَقِيلٌ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ إنَّمَا فَعَلَ هَذَا فِي نَفْسِي حَيْثُ حَضَرْت مَوْضِعًا يُغْتَابُ النَّاسُ فِيهِ فَخَرَجَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ مَثَلُ الَّذِي يَغْتَابُ النَّاسَ كَمَثَلِ مَنْ نَصَبَ مَنْجَنِيقًا يَرْمِي حَسَنَاتِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا يَغْتَابُ وَاحِدًا خُرَاسَانِيًّا وَآخَرَ حِجَازِيًّا وَآخَرَ تُرْكِيًّا فَيُفَرِّقُ حَسَنَاتِهِ وَيَقُومُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ (م. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» فِيهِ نَدْبُ إسْنَادِ مَا لَا عِلْمَ بِهِ لِلْعَبْدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ «قَالَ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُهُ قِيلَ أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ»

مِنْ الْبُهْتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مَشْرُوحًا لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُذْكَرَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ حَرَامٌ قَطْعِيٌّ وَعَنْ سُفْيَانَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ إيَاسٍ فَنِلْتُ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ هَلْ غَزَوْت الرُّومَ وَالتُّرْكَ فَقُلْت لَا فَقَالَ سَلِمَ مِنْك التُّرْكُ وَالرُّومُ وَمَا سَلِمَ مِنْك أَخُوك الْمُسْلِمُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ لِيَكُنْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْك ثَلَاثَ خِصَالٍ إنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ وَإِنْ لَمْ تَسُرَّهُ فَلَا تَغُمَّهُ وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ قَالَ الْجُنَيْدُ كُنْت جَالِسًا فِي مَسْجِدِ شُونِيزِيَّةَ أَنْتَظِرُ جِنَازَةً أُصَلِّي عَلَيْهَا وَأَهْلُ بَغْدَادَ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ فَرَأَيْت فَقِيرًا يَسْأَلُ النَّاسَ فَقُلْت فِي نَفْسِي لَوْ عَمِلَ هَذَا عَمَلًا يَصُونُ بِهِ نَفْسَهُ كَانَ أَجْمَلَ بِهِ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إلَى مَنْزِلِي وَكَانَ لِي شَيْءٌ مِنْ الْوَرْدِ فِي اللَّيْلِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ فَثَقُلَ عَلَيَّ جَمِيعُ أَوْرَادِي فَسَهِرْت وَأَنَا قَاعِدٌ وَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْت ذَلِكَ الْفَقِيرَ جَاءُوا بِهِ عَلَى خُوَانٍ مَمْدُودٍ وَقَالُوا لِي كُلْ لَحْمَهُ فَقَدْ اغْتَبْته وَكَشَفَ لِي عَنْ الْحَالِ فَقُلْت مَا اغْتَبْته إنَّمَا قُلْت فِي نَفْسِي شَيْئًا فَقِيلَ مَا أَنْتَ مِمَّنْ يُرْضَى مِنْك بِمِثْلِهِ اذْهَبْ فَاسْتَحِلَّهُ فَأَصْبَحْت وَلَمْ أَزَلْ أَتَرَدَّدُ حَتَّى رَأَيْته فِي مَوْضِعٍ يَلْتَقِطُ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ تَزَايُدِهِ أَوْرَاقًا مِنْ الْبَقْلِ مِمَّا يَتَسَاقَطُ مِنْ غَسْلِ الْبَقْلِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ تَعُودُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقُلْت لَا أَعُودُ قَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَك

(اعْلَمْ أَنَّ الْغِيبَةَ تَعُمُّ ذِكْرَ عُيُوبِ الدِّينِ) نَحْوُ فُلَانٌ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَسَارِقٌ وَنَمَّامٌ (وَالدُّنْيَا) نَحْوُ فُلَانٌ أَعْرَجُ أَوْ أَصَمُّ أَوْ زَمِنٌ أَوْ أَعْوَرُ رَخَّصَ بَعْضٌ بِعُيُوبِ الدُّنْيَا وَقَالَ لَا غِيبَةَ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ ذَمُّ مَا ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذِكْرُهُ بِالْمَعَاصِي وَذَمُّهُ يَجُوزُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْعُمُومِ يُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ فَهُوَ مُغْتَابٌ سَوَاءٌ دُنْيَا أَوْ دِينًا، لَعَلَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ؛ إنْ لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ فَغِيبَةٌ وَإِنْ لِغَرَضٍ دِينِيٍّ فَلَا (لَكِنْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمُخَاطَبِ) أَيْ الْمُغْتَابِ (وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ) وَالْقَدْحِ فِيهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ (عِنْدَ عُلَمَائِنَا) الْحَنَفِيَّةِ أَمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّرَحُّمِ أَوْ التَّظَلُّمِ مِنْهُ فَلَا (قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ كَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>