للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُطَوِّلُ لِسَانَهُ فِيهِ أَوْ يُقَبِّحُ عِنْدَ مُحْتَشِمٍ فَيُبَادِرُهُ وَيَطْعَنُ فِيهِ لِيَسْقُطَ أَثَرُ شَهَادَتِهِ الرَّابِعُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ شَيْءٌ فَيَذْكُرَ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ فُلَانٌ وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَعَ أَنَّ التَّبَرُّؤَ يَحْصُلُ بِأَنْ لَا يَذْكُرَ الْغَيْرَ بِشَخْصِهِ الْخَامِسُ أَنْ يَنْسِبَ النَّقْصَ إلَى غَيْرِهِ وَيَقْصِدَ بِذَلِكَ إثْبَاتَ فَضْلِ نَفْسِهِ السَّادِسُ الْقَدْحُ عِنْدَ مَنْ يُحِبُّ ذَلِكَ الشَّخْصَ حَسَدًا لِإِكْرَامِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ السَّابِعُ أَنْ يَقْصِدَ اللَّعِبَ وَالْهَزْلَ وَالْمُطَايَبَةَ وَيُضْحِكَ النَّاسَ عَلَيْهِ الثَّامِنُ الِاسْتِهْزَاءُ اسْتِحْقَارًا لَهُ فِي الْغِيبَةِ التَّاسِعُ أَنْ يَتَعَجَّبَ بِفِعْلِهِ الْمُنْكَرِ وَهَذَا مِنْ الدِّينِ لَكِنْ أَدَّى إلَى الْغِيبَةِ بِذِكْرِ اسْمِهِ فَصَارَ مُغْتَابًا مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي الْعَاشِرُ أَنْ يَغْتَمَّ لِسَبَبِ مَا يُبْتَلَى بِهِ فَيَقُولَ مِسْكِينٌ فُلَانٌ قَدْ غَمَّنِي أَمْرُهُ وَمَا اُبْتُلِيَ بِهِ وَغَمُّهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ لَكِنْ سَاقَهُ إلَى شَرٍّ وَهُوَ الْغِيبَةُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْهَا الْغَضَبُ لِلَّهِ عَلَى مُنْكَرٍ قَارَفَهُ إنْسَانٌ فَيُظْهِرُ غَضَبُهُ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ عَلَى فَاعِلِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ يَسْتُرُ اسْمَهُ وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ مِمَّا تَغْمُضُ عَلَى الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ إذَا عَرَفْت أَسْبَابَ الْغِيبَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ عِلَاجَهَا عَلَى الْجُمْلَةِ أَنْ يَذْكُرَ مَضَرَّةَ الْغِيبَةِ وَأَنَّهَا تَحُطُّ حَسَنَاتِهِ وَتُثْقِلُ حَسَنَاتِ غَيْرِهِ أَوْ يُنْقَلُ إلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ فَهَذَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ وَالسُّؤَالِ وَالْحِسَابِ وَعِلَاجُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَسْبَابِهَا وَيُعَالِجَهَا بِمَا مَرَّ فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ مِنْ نَحْوِ الْغَضَبِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا نُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْغِيبَةِ مَا بِالْقَلْبِ وَهُوَ سُوءُ الظَّنِّ أَيْ عَقْدُ الْقَلْبِ وَالْحُكْمُ بِالسُّوءِ وَذَلِكَ حَرَامٌ كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ قَبْلُ وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقَلْبُ مَعَهُ عَمَّا كَانَ فَيَنْفِرَ عَنْهُ نُفُورًا وَيَسْتَثْقِلَهُ وَيَفْتُرَ عَنْ مُرَاعَاتِهِ وَإِكْرَامِهِ وَمِنْ ثَمَرَاتِ سُوءِ الظَّنِّ التَّجَسُّسُ فَيَطْلُبُ التَّحْقِيقَ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَذَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.

(ثُمَّ إنَّ الْغِيبَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأُولَى أَنْ تَغْتَابَ وَتَقُولَ لَسْت أَغْتَابُ لِأَنِّي أَذْكُرُ مَا فِيهِ فَهَذَا كُفْرٌ) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْغِيبَةِ جَارِيَةً فِي الْعُيُوبِ الدِّينِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَةِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ شُبْهَةٍ فَكَيْفَ يَكْفُرُ فِي حُكْمٍ كَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بِالْعُيُوبِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ لِلتَّخْصِيصِ (ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَالٌ لِلْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ) قِيلَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ بِالنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى حُرْمَةِ الْغِيبَةِ لَا عَلَى كَوْنِ مَا ذُكِرَ فِيهِ غِيبَةً وَالْمَطْلُوبُ ذَلِكَ.

(وَالثَّانِي أَنْ يَغْتَابَ وَتَبْلُغَ غِيبَتُهُ الْمُغْتَابَ فَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ لَا تَتِمُّ التَّوْبَةُ عَنْهَا إلَّا بِالِاسْتِحْلَالِ) مِنْ الْمُغْتَابِ (لِأَنَّهُ آذَاهُ) بِبُلُوغِ غِيبَتِهِ إلَيْهِ (فَكَانَ فِيهِ) فِي بُلُوغِ الْغِيبَةِ (حَقُّ الْعَبْدِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَبِاعْتِبَارِ نَهْيِهِ تَعَالَى حَقُّهُ تَعَالَى وَبِاعْتِبَارِ إيذَائِهِ لِلْعَبْدِ حَقُّ الْعَبْدِ لَكِنَّ السَّابِقَ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ هُوَ الْأَذَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْعَبْدِ فَقَطْ لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ (وَهَذَا مُجْمَلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا خَرَّجَهُ " دُنْيَا طط " عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا قِيلَ وَكَيْفَ؟» تَكُونُ أَشَدَّ «قَالَ الرَّجُلُ يَزْنِي ثُمَّ يَتُوبُ عَنْهُ فَيَتُوبُ» أَيْ يَقْبَلُ «اللَّهُ عَلَيْهِ» تَوْبَتَهُ هَذَا إذَا كَانَ الزِّنَا طَوْعًا لَا كَرْهًا وَلَمْ تَكُنْ الْمُزَنِّيَةُ مَنْكُوحَةً أَوْ أَمَةً لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ عَارٌ لِأَحَدٍ وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّوْبَةِ لِاخْتِلَاطِ حَقِّ الْعَبْدِ حِينَئِذٍ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الِاسْتِحْلَالِ وَطَرِيقُهُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ عَلَى قَوْلِهِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَطْلُبُ مِنْك اسْتِحْلَالَ جَمِيعِ حُقُوقِك الْمُتَعَلِّقَةِ بِدَارِ الْآخِرَةِ إذْ لَوْ صَرَّحَ لَزِمَ الْوُقُوعُ فِي مَفْسَدَةٍ عَظِيمَةٍ «وَإِنَّ صَاحِبَ الْغِيبَةِ لَا يُغْفَرُ لَهُ» مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى «حَتَّى يَغْفِرَ» أَيْ يَتُوبَ وَيُحَلِّلَ «صَاحِبُهُ» يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَتَأَمَّلْ تَصِلْ.

(وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ تَبْلُغْ الْغِيبَةُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>