لِلْفِسْقِ وَالظُّلْمِ فَذَكَرَهُمَا وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ عَيْبًا آخَرَ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فَغِيبَةٌ) لَعَلَّهُ أَنَّهُ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ الْعَيْبِ الْآخَرِ مُتَسَبِّبًا عَنْ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ فَالظَّاهِرُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الظُّلْمِ وَالْفِسْقِ لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ آخَرَ لَيْسَ بِغِيبَةٍ (شَيْخٌ) أَبُو الشَّيْخِ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ» أَيْ الْحَيَاءَ الَّذِي هُوَ كَجِلْبَابِ النِّسَاءِ وَمِلْحَفَتِهِنَّ فَجَهَرَ بِالْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ لُجَيْنِ الْمَاءِ وَالْجِلْبَابُ كُلُّ مَا يُسْتَرُ بِهِ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ «فَلَا غِيبَةَ لَهُ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ يَعْنِي الْمُجَاهِرَ الْمُتَظَاهِرَ بِالْفَوَاحِشِ لَا غِيبَةَ لَهُ إذَا ذُكِرَ بِمَا فِيهِ فَقَطْ لِيُعْرَفَ وَيُحْذَرَ وَهَذَا فِيمَنْ أَظْهَرَهُ وَتَرَكَ الْحَيَاءَ فِيهِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْغِيبَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِيذَائِهِ الْمُغْتَابَ وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ، وَإِنْ صَحَّ فَعَلَى فَاسِقٍ مُعْلِنٍ بِفِسْقِهِ وَعَنْ الذَّهَبِيِّ فِي رِجَالِهِ مَجْهُولٌ وَأَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّ فِي الضَّعِيفِ وَأَبُو الشَّيْخِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(دُنْيَا. عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ)
مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَجَدُّهُ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِخُرَاسَانَ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَرُوعُونَ» أَتَخَافُونَ وَتَحْذَرُونَ «مِنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ مَتَى يَعْرِفُهُ النَّاسُ» أَيُّ وَقْتٍ يَعْرِفُهُ النَّاسُ إنْ لَمْ تُعَرِّفُوهُمْ بِهِ «اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ» الْفَاسِقَ «بِمَا فِيهِ» مِنْ الْفُجُورِ وَهَتْكِ سِتْرِ الدِّيَانَةِ فَذِكْرُهُ بِذَلِكَ مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مُسْلِمٌ فَيَقْتَدِيَ بِهِ فِي فِعْلَتِهِ أَوْ يُضِلَّهُ بِبِدْعَتِهِ أَوْ يَسْتَرْسِلَ لَهُ فَيُؤْذِيَهُ بِخُدْعَتِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ «يَحْذَرُهُ» أَيْ لِكَيْ يَحْذَرَهُ «النَّاسُ» إلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ ذِكْرِهِ بِذَلِكَ مَشْرُوطَةٌ بِقَصْدِ الِاحْتِسَابِ وَإِرَادَةِ النَّصِيحَةِ دَفْعًا لِلِاغْتِرَارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ فَمَنْ ذَكَرَ أَحَدًا مِنْ هَذَا الصِّنْفِ تَشَفِّيًا لِغَيْظِهِ أَوْ انْتِقَامًا لِنَفْسِهِ أَوْ احْتِقَارًا أَوْ ازْدِرَاءً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ فَهُوَ آثِمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ السُّبْكِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَلَدُهُ قَالَ كُنْت جَالِسًا بِدِهْلِيزِ دَارِنَا فَأَقْبَلَ كَلْبٌ فَقُلْت اخْسَأْ كَلْبَ ابْنَ كَلْبٍ فَزَجَرَنِي الْوَالِدُ فَقُلْت أَلَيْسَ هُوَ كَلْبَ ابْنَ كَلْبٍ قَالَ شَرْطُ الْجَوَازِ عَدَمُ قَصْدِ التَّحْقِيرِ فَقُلْت هَذِهِ فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفَيْضِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ بَهْزٍ بِشَيْءٍ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَقَالَ عَدِيٌّ لَا أَصْلَ لَهُ وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَضَعَهُ جَارُودُ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدُ مَنْ يَخُصُّ الْغِيبَةَ بِذِكْرِ الْعُيُوبِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا الْفَاجِرَ عَلَى الْمُعْلِنِ بِفِسْقِهِ لَا عَلَى مُطْلَقِهِ (وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ضَيَّقَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّبَّ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الِاهْتِمَامِ) بَلْ شَرَطَ الْكَرَاهَةَ مِنْ الْمُغْتَابِ فَقَطْ قِيلَ هُوَ مَسْلَكُ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَخْبَارِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُودِ الْغِيبَةِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ السَّبُّ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ خُصُوصًا تَفْسِيرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْغِيبَةَ بِقَوْلِهِ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاك بِمَا يَكْرَهُهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ فَالْأَوْلَى الِاحْتِرَازُ عَنْ ذِكْرِ سَوْأَةِ الْغَيْرِ مَا لَمْ يُنَطْ بِهِ فَائِدَةٌ دِينِيَّةٌ انْتَهَى أَقُولُ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا وَأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إنْ فِي الْحُكْمِ وَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْحَادِثَةُ وَكَانَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِنَّ تَوْفِيقَ النُّصُوصِ لَازِمٌ عِنْدَ إمْكَانِهِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ إنْ كَانَ عَدَمُ الْقَرِينَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنْ مُطْلَقًا فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ إذْ بَعْضُ الْحَدِيثِ يَكُونُ قَرِينَةً لِلْمُرَادِ لِمَا فِي بَعْضٍ آخَرَ فِيهِ يُعْلَمُ حَالُ قَوْلِهِ خُصُوصًا إلَخْ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ عَلَى مَا مَهَّدَهُ أَنْ يُقَالَ بِنَحْوِ الصَّوَابِ وَأَيْضًا لَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ اعْتِرَافِ مَسْأَلَةِ الْخَصْمِ فَافْهَمْ
. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْغِيبَةِ أَحَدَ عَشَرَ الْأَوَّلُ أَنْ تَشْفِيَ الْغَيْظَ بِذِكْرِ مَسَاوِئِهِ الثَّانِي مُوَافَقَةُ الْأَقْرَانِ زَاعِمًا كَوْنَهَا حُسْنَ مُعَاشَرَةٍ الثَّالِثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ مِنْ إنْسَانٍ أَنَّهُ سَيَقْصِدُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute