بِأَصْوَاتِكُمْ» يَعْنِي زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْخَشْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى حَالَ الْقِرَاءَةِ كَمَا «سُئِلَ مَنْ أَحْسَنُ صَوْتًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ إذَا سَمِعْته رَأَيْت أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ» وَقِيلَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَرْتِيلِهِ وَرِعَايَةِ إعْرَابِهِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِهِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَرْكِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ فَإِنَّهُ أَوْقَعُ لِلْقَلْبِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا وَأَرَقُّ (خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَذِنَ اللَّهُ» بِمَعْنَى اسْتَمَعَ وَتَقَرَّبَ فَإِنَّ مَعْنَى الْإِصْغَاءِ مُحَالٌ هُنَا فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِنَحْوِ إجْزَالِ الثَّوَابِ وَقَبُولِ الْقِرَاءَةِ وَالرِّضَا وَالْإِقْبَالِ بِالرَّأْفَةِ «لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» أَيْ يَجْهَرَ وَيُحْسِنَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ بِخُضُوعٍ وَخُشُوعٍ وَتَرْقِيقٍ وَتَحْسِينٍ يَعْنِي مَا رَضِيَ اللَّهُ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ شَيْئًا هُوَ أَرْضَى عِنْدَهُ وَلَا أَحَبُّ لَهُ مِنْ قَوْلِ نَبِيٍّ يَجْهَرُ وَيُحَسِّنُ صَوْتَهُ إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَكْثِيرَ الْأَلْحَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَبْنَاءُ الزَّمَانِ إذْ الْقُلُوبُ اللَّاهِيَةُ وَالْأَفْئِدَةُ السَّاهِيَةُ تَتَزَيَّنُ لِلنَّاسِ وَلَا تَطْرُدُ الْخَنَّاسَ بَلْ تَزِيدُ فِي الْوَسْوَاسِ (وَفِي رِوَايَةٍ «لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» فَذَلِكَ شَأْنُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا «لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتًا» وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ إذَا قَرَأَ الزَّبُورَ وَكَانَ يُحْمَلُ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُمِائَةِ جِنَازَةً مِمَّنْ قَدْ مَاتَ مِمَّنْ سَمِعُوا قِرَاءَتَهُ؛ وَلِذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَقَدْ أُوتِيت مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» خ عَنْهُ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنَّا» أَيْ: الْعَامِلِينَ بِسُنَّتِنَا الْجَارِينَ عَلَى طَرِيقَتِنَا أَوْ مُسْتَحِقِّ شَفَاعَتِنَا «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» لَمْ يُحْسِنْ صَوْتَهُ بِهِ لِأَنَّ التَّطْرِيبَ بِهِ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَدْعَى لِلِاسْتِمَاعِ وَهُوَ كَالْحَلَاوَةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ اللَّفْظَ وَلَا يُخِلَّ بِالنَّظْمِ وَلَا يُخْفِيَ حَرْفًا وَإِلَّا حَرُمَ إجْمَاعًا قَالَ ابْنُ مُلَيْكٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَسْتَغْنِي رَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الِاسْتِغْنَاءَ لَقَالَ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ وَعَنْ شَرْحِ الْآثَارِ لِلشَّيْخِ الْكَلَابَاذِيِّ إذَا أَصَابَ إنْسَانًا غَمٌّ أَوْ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ أَمْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَسَلَّى وَيَتَفَرَّجَ رُبَّمَا تَغَنَّى وَهُوَ أَنْ يُنَغِّمَ وَيُرَجِّعَ صَوْتَهُ بِشَيْءٍ مِنْ نَحْوِ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْمَنْظُومِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَفَاضِلُ الْأَوْلِيَاءِ هُمُومُهُمْ الْمَعَادُ وَكَرْبُهُمْ الدِّينُ وَوَحْشُهُمْ مِمَّا دُونَ اللَّهِ وَضِيقُ صَدْرِهِمْ عَمَّا يَشْغَلُهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فَهَلْ لَا يَتَفَرَّجُونَ إلَّا بِذِكْرِ رَبِّهِمْ وَلَا يَتَسَلَّوْنَ مِنْ غُمُومِهِمْ وَهُمُومِهِمْ إلَّا بِمَوْلَاهُمْ فَيُرَجِّعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَحْبُوبِهِمْ اللَّهِ تَعَالَى بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ بِخَشْيَةٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَرِقَّةٍ مِنْ أَفْئِدَتِهِمْ وَنِيرَانُ مَحَبَّتِهِ بَيْنَ ضُلُوعِهِمْ وَمَاءُ الِاشْتِيَاقِ يَجْرِي عَلَى خُدُودِهِمْ فَتَحْسُنُ لِذَلِكَ أَصْوَاتُهُمْ لِأَنَّ الصَّوْتَ بِالْقُرْآنِ هُوَ قِرَاءَتُهُ عَلَى خَشْيَةٍ مِنْ اللَّهِ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّغَنِّي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ مِنْهُ) أَيْ التَّغَنِّي وَهُوَ التَّرَنُّمُ وَالتَّنْغِيمُ مَعَ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ بَيْنَ أَهْلِ الْمُوسِيقَى فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إثَارَةِ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ بِالْقُلُوبِ اللَّاهِيَةِ وَالْأَفْئِدَةِ السَّاهِيَةِ تَتَزَيَّنُ لِلنَّاسِ وَلَا تَطْرُدُ الْخَنَّاسَ وَتَزِيدُ فِي الْوَسْوَاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute