للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ (قَارِئَ الْقُرْآنِ مُثَابٌ مِنْ غَيْرِ تَحْسِينٍ مِنْهُ صَوْتَهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فَضْلًا عَنْ التَّغَنِّي) بِالْمَعْنَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ (فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ) تَارِكُهُ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ أَنَّ تَارِكَ التَّغَنِّي مُسْتَحِقٌّ لِلْوَعِيدِ (وَهَذَا الْوَجْهُ للتوربشتى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) شَارِحِ الْمَصَابِيحِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي حَدِيثِ لَيْسَ مِنَّا آنِفًا الْمُرَادُ مِنْ التَّغَنِّي تَحْسِينُ الصَّوْتِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَسْتَغْنِي رَدَّهُ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ اعْتَرَضَ التوربشتي عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَمَا رَجَّحَ مَعْنَى الِاسْتِغْنَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ مِنَّا وَعِيدٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ قَارِئَ الْقُرْآنِ يُثَابُ مِنْ غَيْرِ تَحْسِينِ صَوْتِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ وَهُوَ مَأْجُورٌ لَعَلَّ حَاصِلَهُ أَنَّ التَّغَنِّيَ فِي الْحَدِيثِ إمَّا بِمَعْنَى تَحْسِينِ الصَّوْتِ أَوْ بِمَعْنَى الِاسْتِغْنَاءِ لَكِنَّ الْمُقَدَّمَ بَاطِلٌ أَيْ لَيْسَ التَّغَنِّي تَحْسِينَ الصَّوْتِ فَالتَّالِي أَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْنَاءِ حَقٌّ أَمَّا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّة أَنَّ التَّغَنِّيَ فِي الْحَدِيثِ تَرْكُهُ مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ وَحُسْنَ الصَّوْتِ لَيْسَ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِلْوَعِيدِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّوَابِ بِلَا تَحْسِينِ صَوْتٍ إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُ التوربشتي عَلَى الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَمَطْلُوبُ الْمُصَنِّفِ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ يَعْنِي الْمَطْلُوبُ عَدَمُ كَوْنِ التَّغَنِّي فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ وَاللَّازِمُ مِنْ التوربشتي هُوَ فِي بَعْضِهَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ وَأَيْضًا التَّغَنِّي الْمَنْفِيُّ فِي مَطْلُوبِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى التَّرَنُّمِ كَمَا أُشِيرَ لَهُ وَالتَّغَنِّي فِي التوربشتي بِمَعْنَى الصَّوْتِ الْحَسَنِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَرَنُّمٌ فَلَا تَقْرِيبَ وَأَيْضًا قَوْلُهُ فَضْلًا عَنْ التَّغَنِّي مَعَ عَدَمِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ التوربشتي لَيْسَ لَهُ مَحْصُولٌ بَلْ اخْتِلَالٌ وَأَيْضًا فِي كَلَامِهِ بَحْثٌ تَأَمَّلْ تَنَلْ (وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعَارِضُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إرَادَةِ الْمَشْهُورِ فِي الْأَحَادِيثِ (مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ) فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لَعَلَّهُ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ الْمُحَدِّثِ الْمَشْهُورِ لِتَغْيِيرِهِ الْأُسْلُوبَ (عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ» أَيْ نَظْمِهَا «وَأَصْوَاتِهَا» أَيْ تَرَنُّمَاتِهَا الْحَسَنَةِ الَّتِي لَا يَخْتَلُّ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ الْحُرُوفِ عَنْ مَخْرَجِهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ النَّظْمِ يُورِثُ نَشَاطًا لِلْقَارِئِ فَإِذَا قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ الْمَذْكُورَةِ تَضَاعَفَ فِيهِ النَّشَاطُ وَالِانْبِسَاطُ وَحَنَّتْ إلَيْهِ الْقُلُوبُ الْقَاسِيَةُ وَكُشِفَتْ عَنْ الْبَصَائِرِ الْغَشَاوَةُ الْغَاشِيَةُ اعْلَمْ أَنَّ اللَّحْنَ قَدْ يَكُونُ بِتَحْرِيفِ الْكَلِمَاتِ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ سَوَاءٌ كَانَ حَرْفَ مَدٍّ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ بِنَقْصٍ وَقَدْ يَكُونُ بِتَغْيِيرِ صِفَاتِ حُرُوفِهَا بِأَنْ يُنْقِصَ أَوْ يَزِيدَ شَيْئًا مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْحُرُوفِ كَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْمَدَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِدْغَامِ وَالْإِخْفَاءِ وَإِشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ وَتَوْفِيرِ الْغُنَّاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ التَّوْحِيدِ كَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ اللَّحْنُ بِمَعْنَى التَّغَنِّي وَبِمَعْنَى مُجَرَّدِ حُسْنِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ شَيْءٍ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَتَفْصِيلُ لُحُونِ الْعَرَبِ الْأَصْوَاتُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي هِيَ مَدُّ الْمَمْدُودِ وَقَصْرُ الْمَقْصُورِ وَتَرْقِيقُ الْمُرَقَّقِ وَتَفْخِيمُ الْمُفَخَّمِ وَإِدْغَامُ الْمُدْغَمِ وَإِظْهَارُ الْمُظْهَرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ «وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْفِسْقِ» مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُخْرِجُونَ الْقُرْآنَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِالتَّمْطِيطِ بِحَيْثُ يُزَادُ حَرْفٌ وَيُنْقَصُ حَرْفٌ فَإِنَّهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ كَذَا فِي الْفَيْضِ فَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>