للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَلُحُونِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ» الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى «فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يُرَدِّدُونَ «الْقُرْآنَ» يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِقِرَاءَتِهِ مَرَّةً وَيَخْفِضُونَ أُخْرَى وَمِنْهُ تَرْجِيعُ الْأَذَانِ إذْ هُوَ تَفَاوُتُ ضُرُوبِ الْحَرَكَاتِ فِي الصَّوْتِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ» أَيْ أَهْلِ الْغِنَاءِ «وَالرَّهْبَانِيَّةِ» وَهُمْ النَّصَارَى «وَ» أَهْلُ «النَّوْحِ لَا يُجَاوِزُ» مَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ «حَنَاجِرَهُمْ» جَمْعُ حَنْجَرَةٍ وَهِيَ الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ «مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ» بِأَنْوَاعِ الْفِتَنِ نَحْوُ مَحَبَّةِ الشُّبَّانِ وَالنِّسَاءِ «وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ» أَيْ حَالُهُمْ الْقَبِيحَةُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُهُمْ وَفِي الْبُخَارِيِّ «إنَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا» وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ التَّلْحِينِ الْمَذْمُومِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ الْمَطْلُوبِ وَأَنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ إخْرَاجُ الْحَرْفِ عَمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الْأَدَاءِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَنَعَهُ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ مَا اسْمُك قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَيُعْجِبُك أَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ كَذَا فِي الْفَيْضِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ تَأْوِيلُ التَّغَنِّي فِي الْأَحَادِيثِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قُلْنَا بَلْ هُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْحَظْرَ يَرْجِعُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنَّ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِي جَانِبِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى تَخْرِيجِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ شَارِحُهُ عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ رِجَالِهِ مَجْهُولٌ وَبِوَاقِيهِ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالتَّدْلِيسِ وَعَنْ الْمِيزَانِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ وَمُنْكَرٌ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فَمِنْ تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَالْكُلُّ عَلَى رِوَايَةِ سَعْدٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِطَعْنِهِ كَمَا فِي الْفَيْضِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ وَأَمَّا تَرْجِيحُ الْحَظْرِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ عِلَّتِهِ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ وَسَلَامَةِ السَّنَدِ فَافْهَمْ (وَ) يُعَارِضُ (مَا خَرَّجَهُ بِرّ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَنْبَسٍ) قِيلَ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ (وَسَيَجِيءُ فِي دُعَاءِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ) وَفِيهِ نَشْءٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ لِيُغْنِيَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَإِنْ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا قَالَ فِي الْفَيْضِ فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ أَيْضًا فَلَعَلَّ التَّعْوِيلَ عَلَى أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ عَلَى صَنْعَةِ التَّرَقِّي (وَالثَّالِثُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ صَرَّحُوا بِكَوْنِ التَّالِي بِالتَّغَنِّي وَالسَّامِعِ لَهُ آثِمِينَ) فِي التَّغَنِّي لِفِعْلِ الْأَوَّلِ وَرِضَا الثَّانِي (قَالَ الْبَزَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ مَعْصِيَةٌ وَالتَّالِي وَالسَّامِعُ آثِمَانِ وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَقَالَ الْبَزَّازِيُّ أَيْضًا اللَّحْنُ فِيهِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: ٢٨] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ التَّغَنِّي وَالْمَذْكُورُ فِي الدَّلِيلِ اللَّحْنُ وَدَعْوَى اتِّحَادِهِمَا لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ كَمَا سَبَقَ وَدَعْوَى أَنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ اللَّحْنِ التَّغَنِّي قَرِيبٌ إلَى التَّحَكُّمِ وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَقَدْ سَمِعْت عَنْ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيِّ وَاللَّحْنُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِوُجُودِ الْمُخَالِفِ (وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ) أَيْ الْإِخْلَالُ بِحَقِّ الْحَرْفِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ (فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ فِي حَالِ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّرْجِيعَ وَالتَّطْرِيبَ لَيْسَ نَفْسَ التَّغَنِّي بَلْ شُبِّهَ بِهِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ نَفْسُ التَّغَنِّي فَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّغَنِّيَ بِالْقُرْآنِ لَيْسَ بِحَلَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>