للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُهَا وَيَلْحَقُ بِهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فَمَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ (ت عَنْ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى وَزْنِ كُرْسِيٍّ (بْنِ جُنَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ) قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ» قُوَّةٍ عَلَى الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ (سَوِيٍّ) صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ قِيلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَحِلُّ الزَّكَاةُ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا إلَّا الْعَامِلَ وَالْغَازِيَ الْمُنْقَطِعَ وَالْغَارِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّ الدَّاعِيَ إلَى إعْطَائِهِمْ لَيْسَتْ الْحَاجَةُ «لَا تَحِلُّ إلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ» مُلْصِقٍ بِالدَّقْعَاءِ أَيْ التُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ «أَوْ غُرْمٍ» أَيْ دَيْنٍ «مُفْظِعٍ» مِنْ الْفَظَاعَةِ شَدِيدٍ غَايَةَ الشِّدَّةِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنًا جَاوَزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ «أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ» كَالدِّيَةِ فَيَجُوزُ السُّؤَالُ لِيُؤَدِّيَ الدِّيَةَ وَيَقْطَعَ الْخُصُومَةَ.

«وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ» لِيُكْثِرَ «بِهِ مَالَهُ كَانَ خُمُوشًا» جِرَاحَةً وَأَثَرًا «فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَضْفًا» حَجَرًا مَحْمِيًّا «يَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ» الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرَ جَهَنَّمَ فَلْيَسْتَقِلَّ مِنْهُ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» قَالَ الشَّارِحُ أَمْرُ تَوْبِيخٍ وَتَهْدِيدٍ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا مَنْ قَدَرَ عَلَى قُوتِ يَوْمٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السُّؤَالُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الدَّافِعَ إنْ عَلِمَ بِحَالِهِ أَثِمَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مُحَرَّمٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ هِبَةً لِصِحَّتِهَا لِلْغَنِيِّ.

(فَائِدَةٌ)

أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ مُصَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ لِابْنِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ لَك حَاجَةٌ فَاكْتُبْهَا فِي رُقْعَةٍ فَإِنِّي أَصُونُ وَجْهَك عَنْ الذُّلِّ

يَا أَيُّهَا الْبَاغِي نَوَالَ الرِّجَالْ ... وَطَالِبَ الْحَاجَاتِ مِنْ ذِي النَّوَالْ

لَا تَحْسَبَنَّ الْمَوْتَ مَوْتَ الْبِلَى ... فَإِنَّمَا الْمَوْتُ سُؤَالُ الرِّجَالْ

كِلَاهُمَا مَوْتٌ وَلَكِنَّ ذَا ... أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ذُلُّ السُّؤَالْ

وَفِيهِ أَيْضًا مَنْ سَأَلَ النَّاسَ مِنْ غَيْرِ فَقْرٍ بَلْ لِتَكْثِيرِ الْمَالِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الْجَمْرَ يَعْنِي يُعَاقَبُ بِالنَّارِ وَقَدْ يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَطْعَمُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى صُورَةِ الْجَمْرِ كَمَا يُكْوَى مَانِعُ الزَّكَاةِ بِهَا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى النَّهْيِ عَنْ السُّؤَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِي الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي يَحِلُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِيَ الْمَسْئُولَ وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَيْضِ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا تَسْأَلُنَّ» بِضَمِّ اللَّامِ «أَحَدًا شَيْئًا» التَّنْوِينُ لِلتَّحْقِيرِ «وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُكَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَثَوْبَانُ يَنْزِلَانِ عِنْدَ سُقُوطِ سَوْطِهِمَا فِي أَجْمَعِ مَا يَكُونُ مِنْ النَّاسِ» أَيْ أَجْمَعِ الْجَمْعِ الَّذِي مِنْ النَّاسِ وَقِيلَ ضَمِيرُ مَا فِي يَكُونُ مِنْهُمْ مُفَسَّرٌ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّاسِ أَيْ يَنْزِلَانِ عِنْدَ سُقُوطِهِ فِي أَجْمَعِ أَوْقَاتِ كَوْنِ النَّاسِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَسْأَلَانِ أَحَدًا بِأَنْ يَقُولَ نَاوِلُونِيهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي الْحُكْمِ رُبَّمَا اسْتَحْيَا الْعَارِفُ أَنْ يَرْفَعَ حَاجَتَهُ إلَى مَوْلَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>