اكْتِفَاءً بِمَشِيئَتِهِ فَكَيْفَ لَا يَسْتَحِيُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى خَلِيقَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ احْتَاجَتْ رَابِعَةٌ فَقِيلَ لَهَا لَوْ أَرْسَلْت إلَى قَرِيبِك فُلَانٍ فَبَكَتْ وَقَالَتْ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ سُؤَالِهِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَكَيْفَ أَسْأَلُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي الْفَيْضِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ الْأُسْتَاذَ الْوَالِدَ الْمَرْحُومَ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِغُفْرَانِهِ وَأَسْكَنَهُ فِي فَرَادِيسِ جِنَانِهِ كَانَ مُبْتَلًى بِالْفَقْرِ سِيَّمَا فِي أَوَّلِ حَالِهِ فَعِنْدَ حِكَايَتِهِ مَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ فَقْرِهِ قِيلَ لَهُ هَلْ تَدْعُوا إلَى اللَّهِ بِحُصُولِ كِفَايَتِك قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَدْعُ إلَيْهِ قَطُّ لِأَجْلِ الدُّنْيَا بَلْ كُلَّمَا أَرَدْت ذَلِكَ غَلَبَ عَلَيَّ الْحَيَاءُ وَلَمْ أَقْدِرْ
(وَلَا يَقُولَانِ لِلْمُشَاةِ عِنْدَهُمَا نَاوِلْنِيهِ) لِامْتِثَالِهِمَا أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَالَ الِامْتِثَالِ (فَدَلَّ أَنَّ حُرْمَةَ السُّؤَالِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَالِ بَلْ تَعُمُّ الِاسْتِخْدَامَ خُصُوصًا إنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ) لِأَنَّ جَمِيعَ مَنَافِعِهِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوَالِي فَيَكُونُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَذَا لَا يَجُوزُ.
(وَأَمَّا صَبِيُّ نَفْسِهِ) مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ (فَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ إنْ كَانَ فَقِيرًا) ضِدَّ غِنَى الْأُضْحِيَّةِ (أَوْ أَرَادَ تَهْذِيبَهُ) أَيْ تَطْهِيرَهُ عَنْ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ (وَتَأْدِيبَهُ) لِيُعَرِّفَهُ مَا يَنْفَعُ دِينًا أَوْ دُنْيَا قَالَ الْإِيثَارُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا مَلَأَ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ الْكُوزَ مِنْ مَاءِ الْحَوْضِ وَأَرَاقَ بَعْضَهُ فِي الْحَوْضِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ لِأَنَّهُ خَلَطَ بِهِ مِلْكَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ وَكَذَا لَوْ جَاءَ صَبِيٌّ بِالْكُوزِ مِنْ مَاءٍ مُبَاحٍ لَا يَحِلُّ لِأَبَوَيْهِ أَنْ يَشْرَبَا مِنْهُ إذَا كَانَا غَنِيَّيْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مِلْكَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا الْأَكْلُ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (وَالضَّرُورَةُ الَّتِي تُبِيحُ السُّؤَالَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ لِلْمَرَضِ أَوْ الضَّعْفِ) مِنْ نَحْوِ الْهَرَمِ وَالْكِبَرِ (وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْكَسْبِ (وَسُؤَالُ الصَّدَقَةِ) النَّفْلِ (وَالزَّكَاةِ سَوَاءٌ) فِي الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ (بِخِلَافِ سُؤَالِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ طَلَبُ حَقِّهِ (أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَصْرِفِهِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ مِمَّنْ هُوَ أَمِينٌ لَهُ (وَاسْتِخْدَامِ مَمْلُوكِهِ وَأَجِيرِهِ وَزَوْجَتِهِ فِي مَصَالِحِ الْبَيْتِ) كَطَبْخِ الطَّعَامِ وَغَسْلِ الْأَوَانِي وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَنْسِ الْبَيْتِ وَبَسْطِ الْفِرَاشِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا عِنْدَ عَدَمِ فِعْلِهَا وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهَا فِي خَارِجِ الْبَيْتِ وَلَا يَجُوزُ إطَاعَتُهَا لِلزَّوْجِ إنْ أُمِرَ بِهَا لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي.
أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إتْيَانُهَا بِخَادِمَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْعُرْفُ مَرْجِعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي التَّنْوِيرِ إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّئٍ وَإِلَّا لَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَ زَوْجِهَا وَتَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ وَتَسُوسُهُ وَتَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ وَتَعْلِفُهَا وَتَسْقِي الْمَاءَ وَتَعْجِنُ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْمُرُوآتِ الَّتِي أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْدُمُ زَوْجَهَا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا تَبَرُّعًا وَإِحْسَانًا مِنْهَا إلَى زَوْجِهَا وَحُسْنَ مُعَاشَرَةٍ وَفِعْلَ مَعْرُوفٍ مَعَهُ بِلَا وُجُوبٍ فَلَا تَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ إلْزَامُهَا شَيْئًا بَلْ تَفَضُّلِيٌّ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسٍ وَمُلَازَمَةُ الْبَيْتِ (وَتِلْمِيذِهِ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ صَبِيًّا) فَإِنَّ الصَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute