الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَسَكْتَتُهُ جَائِزَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي دِيَارِنَا إنْ لَمْ يُلْحِنُوا أَوْ يُسْرِعُوا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ
(خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» أَيْ تَكَلَّمْتَ بِاللَّغْوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقِيلَ أَيْ تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَغَا أَيْ مَالَ عَنْ الصَّوَابِ قِيلَ بُطْلَانٌ مَعْنَاهُ بُطْلَانُ أَصْلِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ بُطْلَانُ ثَوَابِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا وَعَنْ النَّوَوِيِّ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْصِتْ إذَا كَانَ لَغْوًا مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ فَغَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ أَوْلَى وَفِي قَوْلِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ حَالَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ فَعَلَى هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ حَيْثُ قَالَا يُبَاحُ الْكَلَامُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ لَعَلَّ وَجْهَ اخْتِيَارِ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سِوَى الْإِمَامِ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ قَاضِي خَانْ إذَا خَالَفَ الْإِمَامَ صَاحِبَاهُ إذَا كَانَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ يُخْتَارُ قَوْلُهُمَا وَإِلَّا فَيُخَيَّرُ الْمُفْتِي وَعَنْ الْبَحْرِ وَمَا تُعُورِفَ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ انْتَهَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ هُوَ بِصَدَدِ شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ حَتَّى يُمْنَعَ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّسْبِيحِ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ حَالِ السَّكْتَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَقَ قَوْلًا مِنْ أَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا أَوَّلًا فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ مَا وَقَعَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا قَالَ الْهَيْتَمِيُّ إنَّهُ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ سُنَّةٌ
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَك وَخَلِيفَتَك عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ بِالْإِصْلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَوْ عَلِمْت لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً لَخَصَصْت بِهَا السُّلْطَانَ فَإِنَّ خَيْرَهُ عَامٌّ وَخَيْرَ غَيْرِهِ خَاصٌّ وَأَمَّا التَّأْمِينُ جَهْرًا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَيُشَوِّشُ الْحَاضِرِينَ انْتَهَى لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَلْطِ وَالْخَبْطِ إذْ عَدَمُ جَوَازِ مُطْلَقِ الْعِبَادَةِ سِوَى الْإِنْصَاتِ صَرِيحٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَأَنَّ السَّكْتَةَ فِي نَفْسِهَا لِمَصْلَحَةِ الْمُؤَذِّنِ لَمْ تَقَعْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَبِدْعَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَمُنْكَرٌ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مُنْكَرًا مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِهِ مُجْمَعًا وَإِنَّ مَا نُقِلَ مِنْ الدَّعَوَاتِ إلَى الْأُمَرَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَطِيبِ وَالْمَسْأَلَةُ مَا هِيَ مِنْ الْمُؤَذِّنِ
(حذر طب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أَيَّ كَلَامٍ كَانَ وَلَوْ تَسْبِيحًا وَتَرْضِيَةً وَتَصْلِيَةً خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْعُرْفِيِّ «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» فَكَمَا أَنَّ الْحِمَارَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَسْفَارِ) فَكَذَا هَذَا لَا يَنْتَفِعُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ إتْعَابُهُ مِنْ قَبِيلِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ (وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute