للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» إمَّا بِصَرْفِ أَصْلِ التَّوْبَةِ أَوْ بِصَرْفِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا كَالْقَلْعِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَأَكْثَرُهَا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ بِدْعَتَهُ إلَى أَنْ يَرَى حَسَنَةً «حَتَّى يَدَعَ» يَتْرُكَ «بِدْعَتَهُ» بِسَبَبِ نُورٍ قَذَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ قِيلَ وَلِهَذَا كُلَّمَا أَرَادَ تَوْبَةً مَنَعَ مَانِعٌ فَلَا يَتَيَسَّرُ لِاحْتِجَابِ التَّوْبَةِ مِنْ تِلْكَ الْبِدْعَةِ قِيلَ هَذِهِ مَا فِي الِاعْتِقَادِ (مج) ابْنِ مَاجَهْ.

(عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبَى اللَّهُ» أَيْ كَرِهَ وَامْتَنَعَ لِقُوَّةِ قُبْحِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْعُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَحُكْمُ الشَّيْطَانِ «أَنْ يَقْبَلَ» قَبُولَ إثَابَةٍ وَرِضًا أَوْ قَبُولَ كَمَالٍ عَلَى رُتْبَةِ الْبِدْعَةِ «عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» الظَّاهِرُ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُهُ الَّذِي هُوَ الْبِدْعَةُ وَلَوْ عَلَى طَرِيقِ طَاعَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ إذْ النُّصُوصُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ هِيَ الْمَذْمُومَةُ كَمَا يُفَصَّلُ مِنْ الْمُصَنِّفِ «حَتَّى» إلَى أَنْ «يَدَعَ» يَتْرُكَ «بِدْعَتَهُ» بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ خَوْفًا مِنْ قَهْرِ اللَّهِ أَوْ طَمَعًا فِي ثَوَابِ اللَّهِ أَوْ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ لَا خَوْفًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ أَوْ عَدَمِ قُدْرَتِهِ إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِصْرَارِ الْبَاطِنِيِّ عَلَى تِلْكَ الْبِدْعَةِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٣] وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ كَمَا أَنَّ عَمَلَ الْمُبْتَدِعِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَذَنْبُهُ غَيْرُ مَغْفُورٍ ثُمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى سَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ وَالتَّنْفِيرُ عَنْ مُلَازَمَةِ الْبِدْعَةِ وَمُجَالَسَةِ أَهْلِهَا وَالْكَلَامُ فِي بِدْعَةٍ غَيْرِ مُكَفِّرَةٍ.

وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الْمُكَفِّرَةُ كَمُنْكِرِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَالْمُجَسِّمِ وَالْكَوْنِ فِي مَكَان وَالِاتِّصَالِ بِالْعَالَمِ وَالِانْفِصَالِ عَنْهُ فَلَا يُوصَفُ عَمَلُهُ بِقَبُولٍ وَرَدٍّ.

(مَجَّ عَنْ حُذَيْفَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ ابْنُ الْيَمَانِ الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ شَهِدَ هُوَ وَأَبُوهُ أُحُدًا وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَعُرِفَ بِصَاحِبِ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ فِي حَقِّهِ «مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ يَوْمٍ أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ يَوْمٍ آتِي أَهْلِي فَلَا أَجِدُ عِنْدَ هُمْ طَعَامًا وَيَقُولُونَ مَا نَقْدِرُ عَلَى قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. وَقَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ وَقَالَ وَإِيَّاكُمْ وَمُوَافَقَةَ الْفِتَنِ قِيلَ وَمَا هَذِهِ قَالَ أَبْوَابُ الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ. وَقَالَ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْخُشُوعُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةَ وَقَالَ الْمُنَافِقُ مَنْ يَصِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ وَقَالَ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي لِسَانًا ذَرِبًا عَلَى أَهْلِي قَدْ خَشِيت أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَقَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَوْلَا أَنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْآخِرَةِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي كُنْت أُحِبُّ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَأُحِبُّ الذِّلَّةَ عَلَى الْعِزِّ وَأُحِبُّ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ حَبِيبٌ أَيْ الْمَوْتُ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ لَا أَفْلَحَ مِنْ نَدِمَ وَجَزِعَ حُذَيْفَةُ جَزَعًا شَدِيدًا حِينَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا فَقِيلَ مَا يُبْكِيك قَالَ مَا أَبْكِي أَسَفًا عَلَى الدُّنْيَا بَلْ الْمَوْتُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ مَا أَدْرِي عَلَى مَا أُقْدِمُ عَلَى رِضًا أَمْ عَلَى سَخَطٍ مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَأَوْصَى ابْنَيْهِ صَفْوَانَ وَسَعِيدًا أَنْ يُبَايِعَا عَلِيًّا فَفَعَلَا وَقَاتَلَا مَعَهُ وَقُتِلَا مَعَهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -

(أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى» وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْإِثَابَةُ قِيلَ رِفْعَةُ شَأْنِ الْعَمَلِ وَإِنْ قَلِيلًا أَوْ مُبَاهَاةُ الْمَلَائِكَةِ بِهِ وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ فِي الدُّنْيَا بِمَقَامَاتِ الْكَشْفِ الْإِلَهِيِّ وَفِي الْآخِرَةِ بِالرُّؤْيَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، أَقُولُ هَذَا يُنَاسِبُ الْقَبُولَ الْكَامِلَ «لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ» يَقْتَضِي ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ الشُّمُولَ لِمَا فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِطْلَاقِ الْكَمَالُ وَادَّعَى الْكَمَالَ فِي الْعِبَادَةِ كَالِاعْتِقَادِ أَوْ يُرَادُ الشُّمُولُ وَادَّعَى أَنَّ الْعَادَةَ إذَا لَمْ تُقَارَنْ بِإِذْنِ الشَّارِعِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لَكِنْ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبُولَ كُلِّيًّا مُشَكِّكًا «صَوْمًا وَلَا حَجًّا» سَوَاءٌ كَانَا فَرِيضَتَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْبِدْعَةَ مُوَصِّلَةٌ إلَى الْكُفْرِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>