الْقَبُولِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوَصِّلْ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَنْ الْبِدْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. قُلْت: الصِّحَّةُ غَيْرُ الْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ عَمَلٍ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ قَبُولُهُ كَالصَّلَاةِ بِلَا تَعْدِيلِ أَرْكَانٍ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ قَبُولَ حُسْنٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] «وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا» قِيلَ نَفْلًا وَقِيلَ انْصِرَافًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَيْ تَوْبَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ «وَلَا عَدْلًا» الْعَدَالَةُ ضِدُّ الْجَوْرِ وَقِيلَ الْفِدْيَةُ أَوْ الْفَرِيضَةُ أَوْ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ أَوْ الصَّرْفُ الِاكْتِسَابُ وَالْعَدْلُ الْجَزَاءُ أَوْ الْحِيلَةُ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ عَمَلًا مِنْ الطَّاعَاتِ مَا دَامَ عَلَى بِدْعَتِهِ وَتَخْصِيصُ هَذِهِ بِالذِّكْرِ لِقُوَّةِ صُعُوبَتِهَا بِالنَّفْسِ فَيُفْهَمُ الْغَيْرُ بِالْأَوْلَى كَذَا قِيلَ لَكِنْ يَشْكُلُ بِالصَّلَاةِ لِشَرَفِهَا فِي ذَاتِهَا وَإِتْعَابِهَا فِي أَدَائِهَا الْكَامِلِ «يَخْرُجُ» لِتَرْجِيحِ هَوَى نَفْسِهِ وَإِيثَارِ حُكْمِ شَيْطَانِهِ عَلَى رِضَا رَحْمَانِهِ وَأَمْرِ نَبِيِّهِ «مِنْ الْإِسْلَامِ» أَيْ الْكَامِلِ أَوْ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ أَيْ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَمْرَ شَرِيعَتِهِ كَمَا يَخْرُجُ مُطْلَقُ الْعُصَاةِ مِنْ انْقِيَادِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْإِسْلَامُ مَا بِالْجَوَارِحِ وَالْإِيمَانُ مَا بِالْقَلْبِ فَلَا يُنَافِي إيمَانَهُ إذْ قَدْ يُوجَدُ الْإِيمَانُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ بَعْضٍ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْبِدْعَةِ كَمَالُهَا الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ «كَمَا يُخْرَجُ الشَّعْرُ مِنْ الْعَجِينِ» ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخَفَاءَ، وَالْبِدْعَةُ الْمُكَفِّرَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْإِسْلَامِ قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ خَفِيَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُبْتَدِعِ إذْ عِنْدَهُ هِيَ طَاعَةٌ أَوْ إصَابَةٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا نُسَلِّمُ اقْتِضَاءَهُ الْخَفَاءَ بَلْ ذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْمُبْتَدِعِ، فَإِنَّ الشَّعْرَةَ إذَا جُذِبَتْ مِنْ الْعَجِينِ لَا يَعْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَجِينِ
(وَقَدْ سَبَقَ) فِي نَوْعِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ (حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَ) حَدِيثُ (جَابِرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمُشْتَمِلَانِ عَلَى قَوْلِهِ «كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا هُوَ التَّمْهِيدُ لِلسُّؤَالِ الْآتِي أَخَّرَهُ هُنَا لِطُولِهِ مَعَ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ فَصْلِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمُرْتَبِطَةِ عَنْ بَعْضٍ (فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ التَّطْبِيقُ بَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» قِيلَ الْأَوْلَى وَكُلُّ بِدْعَةٍ بِالْوَاوِ لِيُنَبِّه عَلَى أَنَّهُ بَعْضُ الْحَدِيثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَرَكَهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِوُرُودِ الْإِشْكَالِ (وَبَيْنَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ) الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ الْعَهْدِ وَدَلِيلِ الْجِنْسِ فَالْمُتَبَادَرُ هُنَا الِاسْتِغْرَاقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّفَاقَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُ الْإِجْمَاعَ وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ وَالْحَدِيثِ سِيَّمَا خَبَرُ الْوَاحِدِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّوْفِيقِ وَالتَّطْبِيقِ بَلْ قَالُوا فِي مُطْلَقِ تَعَارُضِ الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يُقَدَّمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذْ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى التَّأْوِيلِ أَوْ التَّخْصِيصِ أَوْ الضَّعِيفِ أَوْ الْمَنْسُوخِ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَقُولُ الْمُتَبَادَرُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا إجْمَاعَ وَيَجُوزُ إرْجَاعُ حَاصِلِ الْإِشْكَالِ إلَى أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ.
(إنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً) وَأَمَّا صَلَاحِيَّةُ الْمُبَاحِ لِمَا فِيهِ ضَلَالَةٌ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَلَى عَنْ الْعَوَارِضِ وَطَبْعُهُ لَا يَكُونُ ضَلَالَةً فَيَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ فَبَعْضُ الْمُبَاحِ ضَلَالَةٌ فَهَذَا خُلْفٌ وَكَذَا غَيْرُهُ (كَاسْتِعْمَالِ الْمُنْخُلِ) لِنَخْلِ الدَّقِيقِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تُفْتَحَ خَاؤُهُ مَا يُنْخَلُ بِهِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ قِيلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ إنَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْآلَةِ الْكَسْرُ (وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَكْلِ لُبِّ الْحِنْطَةِ) بِإِزَالَةِ قِشْرِهَا بِالْمُنْخُلِ.
وَفِي التَّقْيِيدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَأْكُلُونَ اللُّبَّ لَكِنْ نَادِرٌ لَيْسَ بِمُوَاظَبَةٍ إذْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْأُصُولِ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَكْلُ لُبِّ الْحِنْطَةِ (وَالشِّبَعُ مِنْهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute