للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَاصِلُ الْحَدِيثِ فِي ذَاتِ عُمَرَ وَقَابِلِيَّةِ كَوْنِهِ نَبِيًّا بَعْدِي لَوْ أَمْكَنَتْ النُّبُوَّةُ

فَفِيهِ إبَانَةٌ عَنْ فَضْلِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِعُمَرَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ وَخِصَالِ الْمُرْسَلِينَ وَقُرْبِ حَالِهِ مِنْهُمْ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِعْدَادٍ بَلْ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ أَشَارَ إلَى أَوْصَافٍ جُمِعَتْ فِي عُمَرَ لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلرِّسَالَةِ لَكَانَ بِهَا نَبِيًّا فَمِنْ أَوْصَافِهِ قُوَّتُهُ فِي دِينِهِ وَبَذْلُهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضُهُ عَنْ الدُّنْيَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَخُصَّ عُمَرُ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ إيذَانًا بِأَنَّ النُّبُوَّةَ بِالِاصْطِفَاءِ لَا بِالْأَسْبَابِ ذَكَرَهُ الْكَلَابَاذِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ خُصَّ عُمَرُ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي زَمَنِ الْمُصْطَفَى مِنْ الْوَاقِعَاتِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَوَقَعَ لَهُ بَعْدَهَا عِدَّةُ إصَابَاتٍ كَذَا فِي الْفَيْضِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مَا قَالُوا إنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ عَلَى رَأْيِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

وَأَيْضًا مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ حَبِيبَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا قَوْله تَعَالَى - {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]- وَمَدَحَهُ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِهِ - {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا} [الفتح: ٢٩]- الْآيَةَ (وَلَكِنْ جَوَازُهُ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ) الْمَدْحُ (لِنَفْسِهِ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ لَا تَجُوزُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢] فَرُبَّمَا يَصِفُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ بِالتَّقْوَى وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَ يَقْصِدُ تَحْدِيثَ النِّعْمَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ جَائِزٌ بَلْ قَدْ يُسْتَحَبُّ.

(وَفِي حُكْمِهَا) أَيْ مَدْحِ النَّفْسِ (مَدْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ) كَأَنْ يَمْدَحَ أَوْلَادَهُ بِكَمَالِ الْخِصَالِ (وَالْآبَاءِ وَالتَّلَامِذَةِ وَالتَّصَانِيفِ) لَمْ يَذْكُرْ الْأَسَاتِذَةَ لَعَلَّ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى جَوَازِهِ كَمَدْحِ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءَهُمْ بَلْ مُطْلَقُ الْأَنْبِيَاءِ (وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ) مَدْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (مَدْحَ الْمَادِحِ) وَأَمَّا إذَا مُدِحَ بِكَمَالٍ حَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ مَدْحَ نَفْسِهِ (قِيلَ لِحَكِيمٍ) مِنْ الْحُكَمَاءِ مِنْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ عَلَى مَا يَنْبَغِي إمَّا بِالْفِرَاسَةِ أَوْ التَّجَارِبِ أَوْ بِالْعَلَامَاتِ أَوْ بِالْكَشْفِ.

وَأَمَّا الْفَلَاسِفَةُ فَسَمَّاهُمْ حُكَمَاءُ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (مَا الصِّدْقُ الْقَبِيحُ قَالَ ثَنَاءُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ) أَمَّا قُبْحُهُ شَرْعًا فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ وَعُرْفًا لِنُفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ التَّحْدِيثَ) فَلَا يَجُوزُ مَدْحُ نَفْسِهِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا بِنِيَّةِ التَّحْدِيثِ (بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ - {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]- (أَوْ إعْلَامَ حَالِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ) الْعِلْمَ (أَوْ لِيَقْتَدُوا بِهِ) فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ (أَوْ لِيُعْطَوْا حَقَّهُ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ لِلسُّلْطَانِ أَوْ أَعْوَانِهِ لِأَخْذِ حَقِّهِ أَنَا عَالِمٌ مُسْتَحِقٌّ لِبَيْتِ الْمَالِ فَأَعْطِنِي كِفَايَتِي (أَوْ لِيَدْفَعُوا عَنْهُ الظُّلْمَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّزْكِيَةَ وَالْفَخْرَ ت مج عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ لِي» أَيْ: أَقُولُ ذَلِكَ شُكْرًا لَا فَخْرًا وَتَعْظِيمًا وَتَكَبُّرًا وَقِيلَ لَا أَفْتَخِرُ بِذَلِكَ بَلْ فَخْرِي بِمَا أَعْطَانِي هَذِهِ الرُّتْبَةَ، وَالْفَخْرُ ادِّعَاءُ الْعَظَمَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَهَذَا قَالَهُ لِلتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ وَإِعْلَامًا لِلْأُمَّةِ لِيَعْتَقِدُوا فَضْلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَأَمَّا خَبَرُ لَا تُفَضِّلُونِي بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فَمَعْنَاهُ تَفْضِيلُ مُفَاخَرَةٍ أَوْ تَفْضِيلًا يُوهِمُ الشَّيْنَ عَلَى الْغَيْرِ وَتَمَامُ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ «وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ» يَأْوِي إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>