الصُّدُورَ بِالْوَسْوَاسِ فَيَفْتَحُ أَبْوَابَ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَتَهْدِيدٌ) عَطْفٌ عَلَى تَأْدِيبٍ أَقُولُ إنَّهُ تَهْدِيدٌ مِنْ حَيْثُ الْإِتْيَانُ وَوَعْدٌ وَتَرْغِيبٌ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضِ كَمَا عَرَفْت مِرَارًا (بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) فَيُجَازِي عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: ١٩] مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ (وَكَفَى بِهَذَا) الْقَوْلِ مِنْ الْآيَةِ (تَحْذِيرًا طب حك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ) أَيْ سُمٌّ قَاتِلٌ (مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْته إيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) » .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَجْهُ الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ، وَالْخُضْرَةُ كَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَالثِّيَابِ يَزِيدَانِ الْبَصَرَ» أَمَّا زِيَادَةُ قُوَّةِ الْبَصَرِ بِبَهْجَةِ جَمَالِ الْخُضْرَةِ وَحُسْنِ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا زِيَادَةُ قُوَّةِ بَصِيرَتِهِ بِالِاعْتِبَارِ بِخُضْرَةٍ نَحْوَ الثِّيَابِ وَحَيَاةِ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَكَذَا نَظَرُهُ إلَى جَمَالِ الْمَرْأَةِ يُقَوِّي بَصِيرَةَ هُدَاهُ فَالْمُرَادُ مِنْ النَّظَرِ حَلَائِلُهُ وَإِلَّا فَالْأَجْنَبِيَّةُ تَظْلِمُ الْبَصَرَ وَالْبَصِيرَةَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ فِي الْجَامِعِ لَكِنْ قِيلَ بَاطِلٌ ضَعِيفٌ وَقِيلَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَكَذَا حَدِيثُ الْجَامِعِ «ثَلَاثَةٌ يُجْلِينَ الْبَصَرَ النَّظْرَةُ إلَى الْخُضْرَةِ وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَإِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ» .
وَكَذَا حَدِيثُ «ثَلَاثَةٌ يَزِدْنَ فِي قُوَّةِ الْبَصَرِ الْكُحْلُ بِالْإِثْمِدِ وَالنَّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَالنَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ» عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ السَّخَاوِيُّ كَانَ النَّسَائِيّ يَلْبَسُ الْأَخْضَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَقُولُ إنَّ الْأَخْضَرَ مِمَّا يَزِيدُ قُوَّةَ الْبَصَرِ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى الْمَأْمُونِ وَالْعَبَّاسُ ابْنُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا فَجَعَلْت أَتَأَمَّلُهُ فَزَجَرَنِي الْمَأْمُونُ قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ «النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ الْمَلِيحِ يَجْلُو الْبَصَرَ» وَإِنَّ فِي بَصَرِي ضَعْفًا أَرَدْت إنْ أَجْلُوَهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ.
(حَدّ هق عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ» الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ عَلَى مَخْرَجِ الْعَادَةِ وَالْأَغْلَبِ «ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْهَا) خَوْفًا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى» لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلِمَةِ ثُمَّ الْإِمْهَالُ وَالتَّرَاخِي فَإِنَّ الْفَوْرَ فِي الْغَضِّ وَالْإِعْرَاضِ لَازِمٌ لَعَلَّ فِي الْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ ثُمَّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْغَضَّ وَلَوْ كَانَ فَوْرًا فَهُوَ كَالتَّرَاخِي أَوْ لِبَعْضِ الْغَضِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَوَامّ كَمُتَّبِعِ الْهَوَى أَوْ إيذَانًا عَلَى اسْتِبْعَادِ ثَوَابِهِ لِغَايَةِ كَثْرَتِهِ «إلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عِبَادَةً» كَثِيرَةً بِإِعَانَةِ السَّوْقِ «يَجِدُ حَلَاوَتَهَا فِي قَلْبِهِ» لِخُلُوِّ الْقَلْبِ عَنْ الشَّوَاغِلِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا فَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ بَلْ اتِّفَاقِيٍّ فَمَعْفُوٌّ كَمَا قَالُوا الْأَوَّلُ لَك وَالثَّانِي عَلَيْك ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّمَا ذُكِرَ بَعْضُ ثَوَابِهِ وَإِلَّا فَقَدْ سَمِعْت مِرَارًا حَدِيثَ «تَرْكُ ذَرَّةٍ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تِلْكَ الْعِبَادَةَ الَّتِي أَحْدَثَهَا اللَّهُ لِذَلِكَ الْغَضِّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَايَةِ كَثْرَةٍ كَمًّا أَوْ فِي غَايَةِ قُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَيْفًا إلَى أَنْ تَكُونَ خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانَ فَإِنَّ قَهْرَ النَّفْسِ وَمُخَالَفَةَ هَوَاهَا حَسَنَةٌ عَظِيمَةٌ (صف) أَصْفَهَانِيٌّ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ» لِعَذَابِهِ تَعَالَى وَعُقُوبَتِهِ إيَّاهَا لِنَظَرِهَا نَحْوَ الْمُحَرَّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَالْمُخَصِّصُ هُوَ الشَّرْعُ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ فَعَلَى هَذَا وَإِنْ دُفِعَ مَحْذُورٌ لَكِنْ اُتُّجِهَ آخَرُ فَتَأَمَّلْ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا عَيْنًا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ» كَالِاجْتِنَابِ لَا سِيَّمَا الشَّابَّاتُ وَالْأَمْرَدُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِنَحْوِهِ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الظَّلَمَةِ وَمَا بَنَوْا بِالظُّلْمِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ قَمْعِ النُّفُوسِ أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الظَّلَمَةِ يُبْطِلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فَكَيْفَ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُجَالِسُهُمْ أَوْ يُؤَاكِلُهُمْ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مِمَّا حَلَّ بِالْخَلْقِ مِنْ تَلْبِيسِ هَذَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute