«وَعَيْنًا سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لِحِفْظِ الْجَيْشِ أَوْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَعُمَّ السَّبِيلُ لِنَحْوٍ مِنْ سَهَرٍ لِإِحْيَاءِ اللَّيَالِيِ لِنَاشِئَةِ اللَّيْلِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا لَا سِيَّمَا لِلتَّهَجُّدِ «وَعَيْنًا خَرَجَ مِنْهَا مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ) مِنْ الدُّمُوعِ (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَلَا تَبْكِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بُكَاءَ حُزْنٍ بَلْ بُكَاءَ فَرَحٍ وَسُرُورٍ لِمَا تَرَى مِنْ عَظِيمِ إكْرَامِ اللَّهِ لَهَا وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَاجِعٌ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا كَيْفَ وَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَالْقَوْلُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ يَجْعَلُ النِّزَاعَ لَفْظِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي لَا تَغُضُّ بَاقِيَةٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَكُونُ بَاكِيَةً (طب عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُنَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمْ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَشَارَ إلَى شِدَّةِ إبْعَادِهِمْ عَنْ النَّارِ وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا قَرُبَ مِنْ الْجَنَّةِ «عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ الْجِهَادِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَاطُ «وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» الْمُرَادُ خَوْفٌ يُسَكِّنُ الْقَلْبَ حَتَّى تَدْمَعَ مِنْهُ الْعَيْنُ قَهْرًا وَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ مُقَارَنَةِ الذُّنُوبِ وَيَحُثُّهُ عَلَى مُلَازَمَةِ الطَّاعَاتِ فَهَذَا هُوَ الْبُكَاءُ الْمَقْصُودُ وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ الْمَطْلُوبَةُ لَا خَشْيَةُ الْحُمَقَاءِ الَّذِينَ إذَا سَمِعُوا مَا يَقْتَضِي الْخَوْفَ لَمْ يَزِيدُوا عَنْ أَنْ يَبْكُوا وَيَقُولُوا يَا رَبِّ سَلِّمْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُصِرُّونَ عَلَى الْقَبَائِحِ وَالشَّيْطَانُ يَسْخَرُ بِهِمْ كَمَا تَسْخَرُ أَنْتَ مِمَّنْ رَأَيْته وَقَدْ قَصَدَهُ سَبُعٌ ضَارٍ وَهُوَ إلَى جَانِبِ حِصْنٍ مَنِيعٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ إلَيْهِ فَلَمْ يَدْخُلْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَبِّ سَلِّمْ حَتَّى جَاءَ السَّبُعُ فَأَكَلَهُ «وَعَيْنٌ كَفَّتْ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ حَفِظَتْ وَأَطْرَقَتْ «عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ» أَيْ النَّظَرِ إلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَمْرَدِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (م عَنْ «جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ» بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ «فَقَالَ اصْرِفْ بَصَرَك» عَنْ النَّظَرِ «وَلَا تَدُمْ عَلَيْهِ» فَإِنَّ الْأَوَّلَ اضْطِرَارِيٌّ مَعْفُوٌّ وَالثَّانِيَ اخْتِيَارِيٌّ مُؤَاخَذٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْغَضُّ يُوجِبُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ فَإِنَّ النَّظَرَ يُوَلِّدُ الْحُبَّ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ صَبَابَةً تَنْصِبُ إلَيْهِ الْحُبَّ بِكُلِّيَّتِهَا فَيَصِيرُ غَرَامًا يَلْزَمُ الْقَلْبَ كَلُزُومِ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ عِشْقًا وَهُوَ الْحُبُّ الْمُفْرِطُ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ شَغَفًا وَهُوَ الْحُبُّ الْوَاصِلُ إلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ ثُمَّ يَقْوَى فَيَصِيرُ تَتَيُّمًا وَالتَّتَيُّمُ التَّعَبُّدُ فَيَصِيرُ الْمُتَيَّمُ عَبْدًا إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لَهُ فَيَقَعُ الْقَلْبُ فِي الْأَسْرِ فَيَصِيرُ أَسِيرًا بَعْدَمَا كَانَ أَمِيرًا وَمَسْجُونًا بَعْدَمَا كَانَ مُطْلَقًا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي الطَّرِيقِ وَلَا عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَشَهَادَةٍ وَتَطْبِيبٍ وَمُعَامَلَةٍ وَلَا يُنَافِيهِ نَقْلُ الْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوُجُوبِ السَّتْرِ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَشَفَتْهُ لِعُذْرٍ كَذَا فِي الْفَيْضِ (دت عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ» أَيْ النَّظْرَةَ الْأُخْرَى بَعْدَ الْأُولَى وَأَمَّا قَاعِدَةُ الْمَعَادِ الْمُعَرَّفِ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَأَصْلٌ قَدْ يُعْدَلُ عَنْهُ «فَإِنَّ لَك الْأُولَى» يَعْنِي لَا تُؤَاخَذُ بِهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا اخْتِيَارِيَّةً وَالتَّكْلِيفُ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ «وَلَيْسَتْ لَك» لِنَفْعِك «الثَّانِيَةُ» بَلْ هِيَ عَلَى ضُرِّك لِأَنَّهَا مُؤَثِّمَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ
(ثُمَّ) أَرَادَ الْمُصَنِّفُ حَصْرَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْغَضُّ فَقَالَ (إنَّ أَعْظَمَ آفَاتِ الْعَيْنِ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ إنْسَانٍ) أَيْ مَوْضِعِ عَوْرَتِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قَصْدًا فَنَقُولُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ إنْ كَانَ نَفْسَهُ) أَيْ النَّاظِرِ (أَوْ صَغِيرًا وَصَغِيرَةً لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ وَقَدَّرَ ذَلِكَ) الْحَدَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute