لِيَنَالَ بِذَلِكَ الْفَضْلَ أَوْ أَنَّ التَّحْمِيدَ فِي آخِرِ الدُّعَاءِ مَنْدُوبٌ وَأَفْضَلُ التَّحْمِيدِ الْفَاتِحَةُ (ثُمَّ اعْلَمْ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إلَى رُتْبَةِ ضَرَرِ الْبِدْعَةِ حَيْثُ يَجْزِمُ عَلَى السُّنَّةِ بَلْ الْوَاجِبُ (أَنَّ فِعْلَ الْبِدْعَةِ) الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ مَا لَا يَكُونُ فِي الِاعْتِقَادِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبِدْعَةَ الِاعْتِقَادِيَّةَ أَضَرُّ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ قَطْعًا (أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ) إذْ الْغَالِبُ فِي الْبِدَعِ بِاعْتِقَادِ الطَّاعَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقِيلَ الْبِدْعَةُ سَارِيَةٌ وَالتَّرْكُ لَا فَفِيهِ خَفَاءٌ هَذَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ تَرْكَ السُّنَّةِ طَاعَةً وَإِلَّا فَبِدْعَةٌ أَيْضًا مِثْلُهَا بَلْ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا (بِدَلِيلِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا إذَا تُرُدِّدَ) الظَّاهِرُ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي شَيْءٍ) وَلَوْ اعْتِقَادِيًّا (بَيْنَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَبِدْعَةً فَتَرْكُهُ لَازِمٌ) عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ مَا تُرُدِّدَ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا وَمَا تُرُدِّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ لَازِمٌ وَأَدَاءُ السُّنَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ يَرْجِعُ
دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا
؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمُنْهَيَاتِ أَشَدُّ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَرُوِيَ «لَتَرْكُ ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» وَمِنْ ثَمَّةَ جَوَّزَ تَرْكَ الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ دُونَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ خُصُوصًا فِي الْكَبَائِرِ. .
(وَأَمَّا تَرْكُ الْوَاجِبِ هَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَفِيهِ اشْتِبَاهٌ) لِفَوَاتِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ الْبِدْعَةِ وَلِاعْتِقَادِ أَنَّهَا طَاعَةٌ بِخِلَافِ تَرْكِ الْوَاجِبِ (حَيْثُ صَرَّحُوا فِيمَنْ تَرَدَّدَ فِي شَيْءٍ بَيْنَ كَوْنِهِ بِدْعَةً وَوَاجِبًا) بِأَنْ تَعَارَضَ بِلَا مُرَجِّحٍ (أَنَّهُ يَفْعَلُهُ) فَيُرَجِّحُ جَانِبَ الْوُجُوبِ فَعِنْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْفَرْضِ فَالْفِعْلُ لَازِمٌ كَمَا إذَا شَكَّ فِي حَقِّ الْفَجْرِ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَمْ لَا.
(وَفِي الْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ) هُوَ كَوْنُ تَرْكِ الْبِدْعَةِ مُقَدَّمًا عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ (حَيْثُ قَالَ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَتِهَا بِيَقِينٍ كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ (وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ شَكَّ لَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الشَّكِّ يَعْنِي لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَلَّى فِي الْوَقْتِ كَانَ قَضَاءُ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِدْعَةً، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ فَتَرْجِيحُ جَانِبِ عَدَمِ الْقَضَاءِ تَرْجِيحُ احْتِمَالِ الْبِدْعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ فَفِي الْوَقْتِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْوُجُوبِ عَلَى الْبِدْعَةِ إذْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ بِدْعَةٌ وَالصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ يُصَلِّهَا فَإِتْيَانُهَا فِي الْوَقْتِ وَاجِبٌ فَمَسْأَلَةُ الْخُلَاصَةِ تَصْلُحُ مِثَالًا لَهُمَا لَعَلَّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute