فإن قيل: سلمنا تسليمًا جدليًّا أنَّ سبب تأخيره الحج عام فتح مكة، مع تمكنه منه، وقدرته عليه أنَّ الحج لم يكن مفروضًا في ذلك الوقت، وقد اعترفتم بأنَّ الحج فرض عام تسع، وهو ﷺ لم يحج عام تسع، بل أخر حجه إلى عام عشر، وهذا يكفينا في الدلالة على أنَّ وجوبه على التراخي، إذ لوكان على الفور لما أخره بعد فرضه إلى عام عشر.
فالجواب والله تعالى أعلم: أنَّ عام تسع لم يتمكن فيه النَّبي ﷺ وأصحابه من منع المشركين من الطواف بالبيت وهم عراة، وقد بين الله تعالى في كتابه أنَّ منعهم من قربان المسجد الحرام إنما هوبعد ذلك العام الذي هوعام تسع، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨]، وعامهم هذا هوعام تسع، فدل على أنه لم يمكن منعهم عام تسع، ولذا أرسل عليًّا ﵁ بعد أبي بكر ينادي بالبراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان، فلوبادر ﷺ إلى الحج عام تسع؛ لأدى ذلك إلى رؤيته المشركين يطوفون بالبيت وهم عراة، وهولا يمكنه أن يحضر ذلك، ولا سيما في حجة الوداع التي يريد أن يبين للناس فيها مناسك حجهم، فأول وقت أمكنه فيه الحج صافيًا من الموانع والعوائق بعد وجوبه عام عشر، وقد بادر بالحج فيه.
ويجاب عن استدلالهم بأنَّ الأمر على التراخي: بأنه لوأخره من