ثانيًا: سلمنا أنَّ عنقه قلب نحاسًا لكنه نسخ أيضًا؛ وذلك لأنَّ النسخ إما رفع الحكم، أو بيان انتهاء مدة الحكم، وكلاهما موجود في سقوط الذبح لتعذره بقلب العنق نحاسًا، أما الأول فلأنه كان مأمورًا بالذبح قبل قلب العنق نحاسًا، وبعده لم يكن مأمورًا به، وهذا حقيقة رفع الحكم الثابت.
فإن قيل: النسخ هو رفع الحكم بخطاب، وارتفاع وجوب الذبح هنا إنما هو بالتعذر لا بالخطاب. قلنا: لكن هو مستند إلى الخطاب، وهو أدلة الشرع العامة على عدم وقوع التكليف بالمحال، والذبح بعد قلب العنق نحاسًا صار من المحال.
وأما الثاني: فلأنَّ بانقلاب العنق نحاسًا انتهت مدة الأمر بالذبح لتعذره، فقد بان أنَّ قلب العنق نحاسًا نسخ، لوجوب الذبح على كلا التعريفين للنسخ.
وأما قولهم: سلمنا أنَّ إبراهيم كان قد أمر بذبح ابنه حقيقة، ونسلم أنه وقع منه الذبح، وحصل، ولكن كلما قطع جزءً من رقبة ابنه عاد ملتحمًا حتى التأم الجرح كأن لم يكن، ويدل على ذلك قوله: قد صدقت الرؤيا. يعني صدقت الرؤيا، فامتثلت ما أمرت به، ولو لم يذبح لما كان مصدقًا للرؤيا، فلا نسخ قبل التمكن من الفعل.