للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاسع: أنَّ صاحبَ هذا المقام في مقام معاملة الحقِّ ــ عزَّ وجلَّ ــ في ترك محبوب ــ كما زعم (١) ــ وهو يُريد بالنَّظرة الثانية أن يتبيَّن حال المنظور إليه، فإن لم يكن مرضيًّا تركه، فإذًا يكون تركُهُ لأنَّه لا يُلائم غرضَه لا لله تعالى، فأين معاملةُ الله ــ سبحانه ــ بترك المحبوب لأجله؟

العاشر: يتبيَّن بضرب مثلٍ مطابقٍ للحال، وهو أنَّك إذا ركبتَ فرسًا حديدًا، فمالتْ بك إلى درْبٍ ضيِّق لا ينفذُ، ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج، فإذا همَّت بالدُّخول فيه فاكبحْها (٢)؛ لئلا تدخل، فإذا دخلت خطوةً أو خطوتين فَصِحْ بها، ورُدَّها إلى وراء عاجلًا قبل أن يتمكَّن دخولُها، فإن رَدَدْتها إلى ورائها سهُل الأمر، وإن توانيتَ حتى ولَجَتْ، وسُقْتَها داخلًا، ثم قمت تجذِبُها بذَنبها؛ عَسُر عليك، أو تعذَّر خروجُها، فهل يقول عاقل: إنَّ طريق تخليصها سَوْقها إلى داخل؟ فكذلك النَّظرة إذا أثَّرت في القلب، فإنْ عَجِل الحازمُ، وحَسَم المادَّة من أوَّلها؛ سَهُل علاجُه، وإنْ كرَّر النظر، ونَقَّبَ عن محاسن الصُّورة، ونقلها إلى قلب فارغٍ، فنقشها فيه؛ تمكَّنت المحبَّة، وكلَّما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة، فلا تزالُ تَنْمي حتى يفسدَ القلبُ، ويُعْرِض عن الفكر فيما أُمِر به، فيخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكابَ المحظورات، ويُلقي القلبَ في التلف.


(١) ت: «يزعم».
(٢) ت: «فاجذبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>