للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرى! وخَفِي [٥٣ ب] عن أبصار الورى، فهو في الصُّدور كامنٌ ككُمون النار في الحجر، إن قُدح؛ أورى، وإن تُرك؛ تَوارى.

وقال بعضُهم (١): العشقُ نوعٌ من الجنون، والجنون فنونٌ، فالعِشْق فنٌّ من فنونه. واحتجَّ بقول قيس (٢):

قالوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهوى فقلتُ لهم ... العِشْقُ أعظمُ مِمَّا بالمجانينِ

العِشْقُ لا يستفيقُ الدَّهرَ صاحبُه ... وإنَّما يُصْرَع المجنونُ في الحين

وقال آخر (٣): إذا امتزجت جواهرُ النُّفوس بوصف المشاكلة؛ أنتجت لمح نورٍ ساطعٍ تستضيءُ به النَّفسُ في معرفة محاسنِ المعشوق، فتسلك طريق الوصول إليه.

وقال أعرابيٌّ: العِشْقُ أعظمُ مسلكًا في القلب من الرُّوح في الجسم، وأمْلَكُ بالنَّفس من ذاتها، بطنَ، وظهر، فامتنع وصفُه على اللسان، وخَفيَ نعتُه عن البيان، فهو بين السِّحر والجنون، لطِيفُ المَسْلَكِ والكُمون.

وقيل: العشق ملكٌ غشومٌ، مُسلَّطٌ ظلومٌ، دانت له القلوب، وانقادت له الألبابُ، وخضعت له النُّفوس. العقل أسيرُه، والنظرُ رسولُه، واللحظُ لفظه، دقيقُ المسلك، عسيرُ المَخْرَج.


(١) هو سقراط، كما في «مصارع العشاق» (١/ ١٥)، و «ذم الهوى» (ص ٢٨٩).
(٢) تقدم البيتان وتخريجهما.
(٣) هو ثمامة بن أشرس، كما في «ذم الهوى» (ص ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>