للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا إنَّما الحبُّ الذي صَدَع الحَشَا ... قضاءٌ من الرَّحمن يَبْلو به العَبْدَا

وقال التميمي في كتاب «امتزاج الأرواح»: سُئل بعض الأطباء عن العشق، فقال: إنَّ وقوعَه بأهله ليس باختيارٍ منهم، ولا بحرصهم عليه، ولا لَذَّة لأكثرهم فيه، ولكنَّ وقوعَه بهم كوقوع العِلَل المُدْنِفَة، والأمراض المُتْلِفَةِ، لا فرقَ بينه وبين ذلك.

وقال المدائنيُّ (١): لامَ رجلٌ رجلًا من أهل الهوى، فقال: لو صحَّ لذي هوًى اختيارٌ؛ لاختارَ ألَاّ يهوى.

ويَدُلّ على ذلك من السُّنَّة ما رواه البخاريُّ في صحيحه (٢) من قصَّة بَرِيرة: أنَّ زوجَها كان يمشي خلفها بعد فراقها له، وقد صارت أجنبيةً منه، ودموعُه تسيلُ على خدَّيه، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عبَّاسُ ألا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَة، ومن بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغيثًا؟»، ثم قال لها: «لو رَاجَعْتِيه» فقالت: أَتَأْمُرُنِي؟ فقال: «إنَّما أنا شافِعٌ» قالت: لا حاجةَ لي فيه. ولم يَنْهَهُ عن عشقها في هذه الحالة؛ إذ ذلك شيءٌ لا يُملكُ، ولا يدخلُ تحت الاختيار، وقال جامع (٣):


(١) أخرج عنه الخرائطي في «اعتلال القلوب» (ص ٧١). وانظر: «ديوان الصبابة» (ص ٥١).
(٢) رقم (٥٢٨٣) من حديث ابن عباس.
(٣) تقدم البيتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>