للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا زالَ العقل الآمرُ، والعلمُ الكاشفُ؛ انبسطتِ النفسُ في هواها، وصادفتْ مجالاً واسعًا.

وحرَّم الله سبحانه السُّكْرَ لشيئين ذكرهما في كتابه في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة/٩١] فأخبر سبحانه: أنَّه يُوجب المفسدة الناشئة من النفس بواسطة زوال العقل، ويمنعُ المصلحة التي لا تَتِمُّ إلا بالعقل.

وقد يكون سبب السُّكر ألمًا، كما يكونُ لذَّةً، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج/١ ــ ٢] وقد يكونُ سببه قوَّة الفرح بإدراك المحبوب، بحيث يختلط كلامُه، وتتغيَّرُ أفعالُه بحيثُ يزول عقلُه، وربما قتله الفرحُ بسببٍ طبيعيٍّ، وهو انبساطُ دم القلب انبساطًا خارجًا عن العادة، والدَّمُ حاملُ الحارِّ الغريزي، فيبرُد القلبُ بسبب انبساط دمِه، فيحدث الموتُ.

وقد جرى هذا لمحمد (١) بن طُولون أميرِ مصر، فإنه مرَّ بصيادٍ في يوم باردٍ، وعنده بُنَيٌّ له، فرقَّ عليهما، وأمر غلامه أن يدفع إليه ما معه من


(١) كذا في النسختين «محمد». والصواب «أحمد»، وهو صاحب مصر والشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>